(١٣٥٤) فَصْلٌ: تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْأَعْمَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَلَنَا عُمُومُ الْآيَةِ، وَالْأَخْبَارِ، وَقَوْلُهُ: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى أَرْبَعَةٍ» وَمَا ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ.
(١٣٥٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ حَضَرُوهَا أَجْزَأَتْهُمْ) يَعْنِي تُجْزِئُهُمْ الْجُمُعَةُ عَنْ الظُّهْرِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَى النِّسَاءِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُنَّ إذَا حَضَرْنَ فَصَلَّيْنَ الْجُمُعَةَ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُنَّ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْجُمُعَةِ لِلتَّخْفِيفِ عَنْهُنَّ، فَإِذَا تَحَمَّلُوا الْمَشَقَّةَ وَصَلَّوْا، أَجْزَأَهُمْ، كَالْمَرِيضِ. (١٣٥٦)
فَصْلٌ: وَالْأَفْضَلُ لِلْمُسَافِرِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ،؛ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ.
فَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي حُضُورِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِيَنَالَ فَضْلَ الْجُمُعَةِ وَثَوَابَهَا، وَيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ. وَإِنْ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُضُورُهَا، إلَّا أَنْ نَقُولَ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ كَانَتْ مُسِنَّةً فَلَا بَأْسَ بِحُضُورِهَا وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً، جَازَ حُضُورُهَا، وَصَلَاتُهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا خَيْرٌ لَهُمَا، كَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» . وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يُخْرِجُ النِّسَاءَ مِنْ الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَقُولُ: اُخْرُجْنَ إلَى بُيُوتِكُنَّ خَيْرٌ لَكُنَّ.
(١٣٥٧) فَصْلٌ: وَلَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِيهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ إمَامًا فِيهَا، وَوَافَقَهُمْ مَالِكٌ فِي الْمُسَافِرِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ بِالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّهُمْ رِجَالٌ تَصِحُّ مِنْهُمْ الْجُمُعَةُ.
وَلَنَا، أَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ، فَلَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ بِهِمْ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمُّوا فِيهَا، كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ تَبَعًا لِمَنْ انْعَقَدَتْ بِهِ، فَلَوْ انْعَقَدَتْ بِهِمْ أَوْ كَانُوا أَئِمَّةً فِيهَا صَارَ التَّبَعُ مَتْبُوعًا، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الْحُرُّ الْمُقِيمُ، وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَوْ انْعَقَدَتْ بِهِمْ لَانْعَقَدَتْ بِهِمْ مُنْفَرِدِينَ، كَالْأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ، وَقِيَاسُهُمْ مُنْتَقِضٌ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. (١٣٥٨)
فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمَرِيضُ، وَمَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ مِنْ الْمَطَرِ وَالْخَوْفِ، فَإِذَا تَكَلَّفَ حُضُورَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute