[فَصْلٌ غَيْر الْأَمِينِ لَا يَأْخُذ اللُّقَطَةَ]
(٤٥٤١) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَيْسَ بِأَمِينٍ أَنْ لَا يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْأَمَانَةِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ الْتَقَطَ صَحَّ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهَا جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ الْكَسْبِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَسْبِ، وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّ الْتِقَاطُ الْكَافِرِ، فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى، فَإِذَا الْتَقَطَهَا فَعَرَّفَهَا حَوْلًا، مَلَكَهَا كَالْعَدْلِ. وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ أَوْ السُّلْطَانُ بِهَا، أَقَرَّهَا فِي يَدِهِ، وَضَمَّ إلَيْهِ مُشْرِفًا يُشْرِفُ عَلَيْهِ، وَيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا كَمَا قُلْنَا فِي الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا نَأْمَنُهُ عَلَيْهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: يَنْزِعُهَا مِنْ يَدِهِ، وَيَضَعُهَا فِي يَدِ عَدْلٍ
وَلَنَا أَنَّ مَنْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ، لَمْ تَزُلْ يَدُهُ عَنْ اللُّقَطَةِ، كَالْعَدْلِ، وَالْحِفْظُ يَحْصُلُ بِضَمِّ الْمُشْرِفِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْمُشْرِفَ حِفْظُهَا مِنْهُ، اُنْتُزِعَتْ مِنْ يَدِهِ، وَتُرِكَتْ فِي يَدِ عَدْلٍ، فَإِذَا عَرَّفَهَا وَتَمَّتْ السَّنَةُ، مَلَكَهَا مُلْتَقِطُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ مِنْهُ.
[مَسْأَلَة وَجَدَ الشَّاةَ بِمِصْرَ أَوْ بِمُهْلِكَةِ]
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِذَا وَجَدَ الشَّاةَ بِمِصْرٍ، أَوْ بِمَهْلَكَةٍ، فَهِيَ لُقَطَةٌ) يَعْنِي أَنَّهُ يُبَاحُ أَخْذُهَا وَالْتِقَاطُهَا، وَحُكْمُهَا إذَا أَخَذَهَا حُكْمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فِي التَّعْرِيفِ وَالْمِلْكِ بَعْدَهُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَقَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ضَالَّةَ الْغَنَمِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ عَلَيْهَا لَهُ أَكْلُهَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ لَا يَمْتَنِعُ بِنَفْسِهِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَهِيَ الثَّعْلَبُ، وَابْنُ آوَى، وَالذِّئْبُ، وَوَلَدُ الْأَسَدِ وَنَحْوُهَا
فَمَا لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا، كَفُصْلَانِ الْإِبِلِ، وَعُجُولِ الْبَقَرِ، وَأَفْلَاءِ الْخَيْلِ، وَالدَّجَاجِ، وَالْإِوَزِّ وَنَحْوِهَا، يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ. وَيُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَيْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ الْتِقَاطُهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَقْرَبَهَا، إلَّا أَنْ يَحُوزَهَا لِصَاحِبِهَا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُؤْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ» . وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ أَشْبَهَ الْإِبِلَ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا سُئِلَ عَنْ الشَّاةِ: خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَلِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَالضَّيَاعُ، فَأَشْبَهَ لُقَطَةَ غَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَحَدِيثُنَا أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَنَخُصُّهُ بِهِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِبِلِ لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ مَنْعَ الْتِقَاطِهَا بِأَنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْغَنَمِ، ثُمَّ قَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا فَرَّقَ الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا قِيَاسُ مَا أَمَرَ بِالْتِقَاطِهِ عَلَى مَا مَنَعَ ذَلِكَ فِيهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَهَا بِمِصْرٍ أَوْ بِمَهْلَكَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute