عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَالَفَ حَنْبَلٌ الْجَمَاعَةَ، وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءِ، إلَّا مَا خَصَّهُ الشَّرْعُ بِهِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءِ مِنْهُ، تَرَكْنَاهُ فِي الْمَرْكُوبِ وَالْمَحْلُوبِ لِلْأَثَرِ، فَفِيمَا عَدَاهُ يُبْقِي عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ. النَّوْعُ الثَّانِي، غَيْرُ الْحَيَوَانِ، كَدَارٍ اسْتُهْدِمَتْ، فَعَمَرَهَا الْمُرْتَهِنُ، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ، فَإِنَّ عِمَارَتَهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الرَّاهِنِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَبَرِّعًا، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ، لِحُرْمَتِهِ فِي نَفْسِهِ.
[فَصْلٌ مُؤْنَة رَهْن الْحَيَوَانُ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُتَبَرِّعًا]
(٣٣٧٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْحَيَوَانُ، إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءِ؛ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِعِوَضِهِ، كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى مِسْكِينٍ. وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ عَلَى مَالِكِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، رَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ بِإِذْنِهِ، فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْمَالِكِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ فَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِئْذَانِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَكَفَنَهُ. وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ فِي الْمَذْهَبِ؛ إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْغَرِيمِ.
[فَصْلٌ انْتَفَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ بِاسْتِخْدَامِ أَوْ رُكُوبٍ]
(٣٣٧٤) فَصْلٌ: وَإِذَا انْتَفَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ، بِاسْتِخْدَامِ، أَوْ رُكُوبٍ أَوْ لُبْسٍ، أَوْ اسْتِرْضَاعٍ، أَوْ اسْتِغْلَالٍ، أَوْ سُكْنَى، أَوْ غَيْرِهِ، حَسَبَ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ: يُوضَعُ عَنْ الرَّاهِنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكُ الرَّاهِنِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا فِي ذِمَّتِهِ لِلرَّاهِنِ، فَيُتَقَاصُّ الْقِيمَةَ وَقَدْرَهَا مِنْ الدَّيْنِ، وَيَتَسَاقَطَانِ.
[مَسْأَلَةٌ ثَمَرَةُ الشَّجَرَةِ الْمَرْهُونَةِ]
(٣٣٧٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَغَلَّةُ الدَّارِ، وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ، وَحَمْلُ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا، وَثَمَرَةُ الشَّجَرَةِ الْمَرْهُونَةِ، مِنْ الرَّهْنِ) أَرَادَ بِغَلَّةِ الدَّارِ أَجْرَهَا. وَكَذَلِكَ خِدْمَةُ الْعَبْدِ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ جَمِيعَهُ وَغَلَّاتَهُ تَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِ مَنْ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ كَالْأَصْلِ. وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ، بِيعَ مَعَ الْأَصْلِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَّصِلُ، كَالسَّمْنِ وَالتَّعَلُّمِ، وَالْمُنْفَصِلُ كَالْكَسْبِ وَالْأُجْرَةِ وَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَالشَّعْرِ. وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: فِي النَّمَاءِ يَتْبَعُ، وَفِي الْكَسْبِ لَا يَتْبَعُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ، فَلَا يَتْبَعُ فِي الرَّهْنِ، كَأَعْيَانِ مَالِ الرَّاهِنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَتْبَعُ الْوَلَدُ فِي الرَّهْنِ خَاصَّةً، دُونَ سَائِرِ النَّمَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute