وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا فِيهِ، فَوَجَدَهَا فِيهِ، فَهُوَ كَالدُّخُولِ عَلَيْهَا نَاسِيًا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ. فَخَرَجَ حِينَ عَلِمَ بِهَا، لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا، فَدَخَلَتْ هِيَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ فِي الْحَالِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ أَقَامَ فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا هُوَ فِيهَا، فَاسْتَدَامَ الْمُقَامَ بِهَا، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فِي غَد فَمَاتَ الْحَالِفُ مِنْ يَوْمِهِ]
(٨١٠٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فِي غَدٍ، فَمَاتَ الْحَالِفُ مِنْ يَوْمِهِ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ، حَنِثَ) أَمَّا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ مِنْ يَوْمِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ، وَهُوَ الْغَدُ، وَالْحَالِفُ قَدْ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ الْغَدِ، فَلَا يُمْكِنُ حِنْثُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ. فَلَمْ يُفِقْ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ. وَإِنْ هَرَبَ الْعَبْدُ، أَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ الْحَالِفُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَرْبِهِ فِي الْغَدِ، حَنِثَ.
وَإِنْ لَمْ يَمُتْ الْحَالِفُ، فَفِيهِ مَسَائِلُ أَحَدُهَا، أَنْ يَضْرِبَ الْعَبْدَ فِي غَدٍ، أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ، بِلَا خِلَافٍ. الثَّانِيَةُ، أَمْكَنَهُ ضَرْبُهُ فِي غَدٍ، فَلَمْ يَضْرِبْهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ، وَهُمَا فِي الْحَيَاةِ، حَنِثَ أَيْضًا، بِلَا خِلَافٍ. الثَّالِثَةُ، مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ يَوْمِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَحْنَثَ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَقَدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ، كَالْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ، مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ وَلَا نِسْيَانٍ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحِنْثِ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَحُجَّنَّ الْعَامَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ؛ لِمَرَضٍ، أَوْ عَدَمِ النَّفَقَةِ، وَفَارَقَ الْإِكْرَاهَ وَالنِّسْيَانَ، فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ لِمَعْنًى فِي الْحَالِفِ، وَهَا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِمَعْنًى فِي الْمَحَلِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ ضَرْبَهُ لِصُعُوبَتِهِ، أَوْ تَرَكَ الْحَالِفُ الْحَجَّ لِصُعُوبَةِ الطَّرِيقِ وَبُعْدِهَا عَلَيْهِ فَأَمَّا.
إنْ كَانَ تَلَفُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ أَوْ اخْتِيَارِهِ، حَنِثَ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْفِعْلَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَحْنَثُ الْحَالِفُ سَاعَةَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ مِنْ حِينِ حَلِفِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ، فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُؤَقِّتْ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَحْنَثَ قَبْلَ الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ مُخَالَفَةُ مَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَيْهِ، فَلَا تَحْصُلُ الْمُخَالَفَةُ إلَّا بِتَرْكِ الْفِعْلِ فِي وَقْتِهِ. الرَّابِعَةُ، مَاتَ الْعَبْدُ فِي غَدٍ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ضَرْبِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي يَوْمِهِ. الْخَامِسَةُ، مَاتَ الْعَبْدُ فِي غَدٍ، بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ ضَرْبِهِ، قَبْلَ ضَرْبِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ قَوْلَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute