وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ: فِي الْمَحْمِلِ رَجُلَانِ، وَمَا يُصْلِحُهُمَا مِنْ الْوِطَاءِ وَالدُّثُرِ. جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَقَارَبُ فِي الْعَادَةِ، فَحُمِلَ عَلَى الْعَادَةِ، كَالْمَعَالِيقِ
وَقَالَ الْقَاضِي فِي غِطَاءِ الْمَحْمِلِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ وَيَتَبَايَنُ كَثِيرًا، فَاشْتُرِطَتْ مَعْرِفَتُهُ، كَالطَّعَامِ الَّذِي يَحْمِلُ مَعَهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ أَجْسَامَ النَّاسِ مُتَقَارِبَةٌ. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ مِنْهُمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ، وَالطَّوِيلَ وَالْقَصِيرَ، وَالسَّمِينَ وَالْهَزِيلَ، وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَيَخْتَلِفُونَ بِذَلِكَ، وَيَتَبَايَنُونَ كَثِيرًا، وَيَتَفَاوَتُونَ أَيْضًا فِي الْمَعَالِيقِ، فَمِنْهُمْ مِنْ يُكْثِرُ الزَّادَ وَالْحَوَائِجَ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَقْنَعُ بِالْيَسِيرِ، وَلَا عُرْفَ لَهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ، فَاشْتُرِطَتْ مَعْرِفَتُهُ، كَالْمَحْمِلِ وَالْأَوْطِئَةِ وَكَذَلِكَ غِطَاءُ الْمَحْمِلِ، مِنْ النَّاسِ مَنْ يَخْتَارُ الْوَاسِعَ الثَّقِيلَ الَّذِي يَشْتَدُّ عَلَى الْحَمْلِ فِي الْهَوَاءِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَقْنَعُ بِالضَّيِّقِ الْخَفِيفِ، فَتَجِبُ مَعْرِفَتُهُ، كَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا
وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ، فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الدَّابَّةِ الَّتِي يَرْكَبُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَتَحْصُلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالرُّؤْيَةِ، فَيُكْتَفَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا أَعْلَى طُرُقِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ صِفَةِ الْمُسَمَّى فِيهِ، كَالرَّاهُولِ وَغَيْرِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُجَرِّبَهُ فَيَعْلَمَ ذَلِكَ بِرُؤْيَتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَصِفَهُ، وَإِمَّا بِالصِّفَةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ اكْتَفِي بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَةِ، فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، كَالْبَيْعِ.
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ بِالصِّفَةِ لِلرُّكُوبِ، احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ، فَيَقُول: إبِلٌ، أَوْ خَيْلٌ، أَوْ بِغَالٌ، أَوْ حَمِيرٌ. وَالنَّوْعِ فَيَقُولُ: بَخْتِيٌّ، أَوْ عَرَبِيٌّ. وَفِي الْخَيْلِ: عَرَبِيٌّ أَوْ بِرْذَوْنٌ. وَفِي الْحَمِيرِ: مِصْرِيٌّ أَوْ شَامِيٌّ. وَإِنْ كَانَ فِي النَّوْعِ مَا يَخْتَلِفُ، كَالْمُهَمْلَجِ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْقُطُوفِ، اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الذُّكُورِيَّةِ وَالْأُنُوثِيَّةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْأُنْثَى أَسْهَلُ وَالذَّكَرَ أَقْوَى
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ، وَمَتَى كَانَ الْكِرَاءُ إلَى مَكَّةَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ وَلَا النَّوْعِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ إنَّمَا هُوَ الْجِمَالُ الْعِرَابُ، دُون الْبَخَاتِيِّ.
[فَصْلٌ الْكِرَاءُ إلَى مَكَّة أَوْ طَرِيقٍ لَا يَكُونُ السَّيْرُ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِ الْمُتَكَارِيَيْنِ]
(٤٢٦٢) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْكِرَاءُ إلَى مَكَّةَ، أَوْ طَرِيقٍ لَا يَكُونُ السَّيْرُ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِ الْمُتَكَارِيَيْنِ، فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِ تَقْدِيرِ السَّيْرِ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِمَا، وَلَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ لَهُمَا. وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ السَّيْرُ فِيهِ إلَيْهِمَا، اُسْتُحِبَّ ذِكْرُ قَدْرِ السَّيْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ. فَإِنْ أَطْلَقَ وَلِلطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَعْرُوفَةٌ، جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ. وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ، وَفِي مِيقَاتِ السَّيْرِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْمَنْزِلِ، إمَّا فِي دَاخِلِ الْبَلَدِ أَوْ خَارِجٍ مِنْهُ، حَمْلًا عَلَى الْعُرْفِ، كَمَا لَوْ أَطْلَقَا الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ فِيهِ نَقْدٌ مَعْرُوفٌ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّرِيقِ عُرْفٌ، وَأَطْلَقَا الْعَقْدَ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ أَطْلَقَا الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ لَا عُرْفَ فِيهِ. وَالْأَوْلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute