الْقَبْضُ. فَأَمَّا مَنْ لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُهُ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِ الْقِيمَةِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ يُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَأَشْبَهَ الْكَبِيرَ.
وَإِذَا قُلْنَا: يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى الْمُكَاتَبِ، جَازَ لِلسَّيِّدِ الدَّفْعُ مِنْ كَفَّارَتِهِ إلَى مُكَاتِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهِ (٦٢١٧) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ، فَإِنْ بَانَ غَنِيًّا، فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ. وَإِنْ بَانَ كَافِرًا، أَوْ عَبْدًا، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَجْهًا وَاحِدًا.
[مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ الْمُظَاهِر صَوْمَ الظِّهَارِ مِنْ أَوَّلِ شَعْبَانَ]
(٦٢١٨) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَمِنْ ابْتَدَأَ صَوْمَ الظِّهَارِ مِنْ أَوَّلِ شَعْبَانَ، أَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَبَنَى، وَكَذَلِكَ إنَّ ابْتَدَأَ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ، أَفْطَرَ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ إذَا تَخَلَّلَ صَوْمَ الظِّهَارِ زَمَانٌ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، مِثْلُ أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِ شَعْبَانَ، فَيَتَخَلَّلَهُ رَمَضَانُ وَيَوْمُ الْفِطْرِ، أَوْ يَبْتَدِئَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَيَتَخَلَّلَهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَإِنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهَذَا، وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ، وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرَيْنِ بِمَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ إذَا أَفْطَرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ صَامَ عَنْ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى.
وَلَنَا أَنَّهُ زَمَنٌ مَنَعَهُ الشَّرْعُ عَنْ صَوْمِهِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَلَمْ يَقْطَعْ التَّتَابُعَ، كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. فَإِنْ قَالَ: الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ غَيْرُ مُمْكِنٍ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. قُلْنَا: قَدْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ مِنْ النِّفَاسِ بِأَنْ لَا تَبْتَدِئَ الصَّوْمَ فِي حَالِ الْحَمْلِ، وَمِنْ الْحَيْضِ إذَا كَانَ طُهْرُهَا يَزِيدُ عَلَى الشَّهْرَيْنِ، بِأَنْ تَبْتَدِئَ الصَّوْمَ عَقِيبَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ مُفَارَقَةُ إمَامِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ الْمَسْبُوقُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، مَعَ عِلْمِهِ بِلُزُومِ مُفَارَقَتِهِ قَبْلَ إتْمَامِهَا. وَيَتَخَرَّجُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَصُومُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَا يُفْطِرُ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَحْدَهُ. فَعَلَى هَذَا، إنْ أَفْطَرَهَا اسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامٌ أَمْكَنَهُ صِيَامُهَا فِي الْكَفَّارَةِ، فَفِطْرُهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَغَيْرِهَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِ شَعْبَانَ، أَجْزَأَهُ صَوْمُ شَعْبَانَ عَنْ شَهْرٍ، نَاقِصًا كَانَ أَوْ تَامًّا.
وَأَمَّا شَوَّالٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ مِنْ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَهُ يَوْمُ الْفِطْرِ، وَصَوْمُهُ حَرَامٌ، فَيَشْرَعُ فِي صَوْمِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَيُتَمِّمُ شَهْرًا بِالْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ إلَى آخِرِ الْمُحَرَّمِ، قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالشَّهْرَيْنِ مِنْ أَوَّلِهِمَا. وَلَوْ ابْتَدَأَ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ يَوْمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute