الثَّوْبَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَأَجَّرْتُك الْأُخْرَى بِأَلْفِ. أَوْ بَاعَهُ سَيْفًا مُحَلَّى بِالذَّهَبِ بِفِضَّةٍ أَوْ زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي وَبِعْتُك عَبْدَهَا بِأَلْفٍ صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَيْنَانِ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةٍ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ كَالْعَبْدَيْنِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِي ذَلِكَ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ الْمَبِيعَ يُضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ اخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَأَمَّا إنْ جَمَعَ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالْبَيْعِ فَقَالَ كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِائَةٌ. لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَبْلَ تَمَامِ الْكِتَابَةِ عَبْدُ قِنٍّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ سَيِّدِهِ شَيْئًا وَلَا يَثْبُتُ لِسَيِّدِهِ فِي ذِمَّتِهِ ثَمَنٌ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فَهَلْ يَصِحَّ فِي الْكِتَابَةِ بِقِسْطِهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ نَذْكُرُهُمَا فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَسَوَّى أَبُو الْخَطَّابِ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَيْنَ الصُّوَرِ الَّتِي قَبْلَهَا فَقَالَ: فِي الْكُلِّ وَجْهَانِ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْلَى.
[فَصْلٌ بَيْع مَا يَجُوزُ بَيْعه وَمَا لَا يَجُوزُ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنِ وَاحِد]
(٣١٣٣) فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَمَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ، صَفْقَةً وَاحِدَةً، بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛ أَحَدِهَا أَنْ يَبِيعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا كَقَوْلِ بِعْتُك هَذِهِ الْفَرَسَ، وَمَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْفَرَسِ الْأُخْرَى بِأَلْفٍ. فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا أَعْلَمُ فِي بُطْلَانِهِ خِلَافًا لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِجَهَالَتِهِ وَالْمَعْلُومُ مَجْهُولُ الثَّمَنِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا وَالْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ فَيَتَعَذَّرُ التَّقْسِيطُ. الثَّانِي، أَنْ يَكُنْ الْمَبِيعَانِ مِمَّا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِالْأَجْزَاءِ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بَاعَهُ كُلَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَكَقَفِيزَيْنِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَهُمَا مَنْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْضَهُمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ فِي مِلْكِهِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَفْسُدُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ.
وَالثَّانِي، لَا يَصِحُّ فِيهِمَا، وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِيمَنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا يَفْسُدُ فِيهِمَا وَالثَّانِيَةُ يَصِحُّ فِي الْحُرَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا فَغَلَبَ التَّحْرِيمُ وَلِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَصْحِيحُهَا فِي جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حُكْمٌ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute