فَأَمَّا الِاسْتِعَاذَةُ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَعَنْهُ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا كُلِّهَا كَالْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلِذَلِكَ اعْتَبَرْنَا التَّرْتِيبَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهِ.
فَإِذَا أَتَى بِالِاسْتِعَاذَةِ فِي أَوَّلِهَا كَفَى ذَلِكَ كَالِاسْتِفْتَاحِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، إذَا تَرَكَ الِاسْتِعَاذَةَ فِي الْأُولَى لِنِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَتَى بِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَالِاسْتِفْتَاحُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. نُصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا فَاتَ فِي أَوَّلِهَا فَاتَ مَحِلُّهُ. وَالِاسْتِعَاذَةُ لِلْقِرَاءَةِ، وَهُوَ يَسْتَفْتِحُهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الِاسْتِعَاذَةِ، لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَسْتَعِيذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] . فَيَقْتَضِي ذَلِكَ تَكْرِيرَ الِاسْتِعَاذَةِ عِنْدَ تَكْرِيرِ الْقِرَاءَةِ، وَلِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لِلْقِرَاءَةِ، فَتُكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي صَلَاتَيْنِ.
[فَصْلٌ الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى]
فَصْلٌ: وَالْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَمْ يَسْتَفْتِحْ، وَأَمَّا الِاسْتِعَاذَةُ، فَإِنْ قُلْنَا: تَخْتَصُّ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى. لَمْ يَسْتَعِذْ؛ لِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِهِ فَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ اسْتَفْتَحَ وَاسْتَعَاذَ. نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ. وَإِنْ قُلْنَا: يَسْتَعِيذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. اسْتَعَاذَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةِ كُلِّ رَكْعَةٍ، فَإِذَا أَرَادَ الْمَأْمُومُ الْقِرَاءَةَ اسْتَعَاذَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨]
[مَسْأَلَة إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ]
(٧٤٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا جَلَسَ فِيهَا لِلتَّشَهُّدِ يَكُونُ كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، وَهَذَا الْجُلُوسُ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ مَشْرُوعَانِ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقْلًا مُتَوَاتِرًا، وَالْأُمَّةُ تَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا أَوْ رُبَاعِيَّةً، فَهُمَا وَاجِبَانِ فِيهَا، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ، وَإِسْحَاقَ. وَالْأُخْرَى: لَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالسَّهْوِ، فَأَشْبَهَا السُّنَنَ. وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ، وَدَاوَمَ عَلَى فِعْلِهِ، وَأَمَرَ بِهِ» فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: " قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ". وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ حِينَ نَسِيَهُ.
وَقَدْ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي.» وَإِنَّمَا سَقَطَ بِالسَّهْوِ إلَى بَدَلٍ، فَأَشْبَهَ جُبْرَانَاتِ الْحَجِّ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، بِخِلَافِ السُّنَنِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ التَّشَهُّدَيْنِ، فَكَانَ وَاجِبًا كَالْآخَرِ. وَصِفَةُ الْجُلُوسِ لِهَذَا التَّشَهُّدِ كَصِفَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؛ يَكُونُ مُفْتَرِشًا كَمَا وَصَفْنَا. وَسَوَاءٌ كَانَ آخِرَ صَلَاتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ مُتَوَرِّكًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute