أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةَ فَلَيْسَ بِمُوجِبٍ تَرْكَ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ، ثُمَّ قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ هَذَا. فَأَمَّا إنْ دَعَا إنْسَانٌ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِثْلُ مَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنْ شَاءَ قَالَهُ، وَلَا نَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ قِرَاءَةً مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَوْ دُعَاءً؟ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُكْرَهْ، كَالدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ
[مَسْأَلَة سَتْرَ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاة]
(٨٠٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَمَنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ وَعَلَيْهِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ عَنْ النَّظَرِ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَاجِبٌ، وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: سَتْرُهَا وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ السَّهْوِ. احْتَجُّوا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا بِأَنَّ وُجُوبَهَا لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا، كَاجْتِنَابِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. وَلَنَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَكُونُ فِي الصَّيْدِ فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» . حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِالْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَمْنُوعَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: احْتَجَّ مَنْ قَالَ السَّتْرُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ، بِالْإِجْمَاعِ عَلَى إفْسَادِ مَنْ تَرَكَ ثَوْبَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِتَارِ بِهِ، وَصَلَّى عُرْيَانًا، قَالَ: وَهَذَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كُلُّهُمْ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْكَلَامُ فِي حَدِّ الْعَوْرَةِ، وَالصَّالِحُ فِي الْمَذْهَبِ، أَنَّهَا مِنْ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا الْفَرْجَانِ. قَالَ مُهَنَّا، سَأَلْت أَحْمَدَ مَا الْعَوْرَةُ؟ قَالَ: الْفَرْجُ وَالدُّبُرُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَدَاوُد لِمَا رَوَى أَنَسٌ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ، حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتَّى إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَقَالَ حَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ)
، وَرَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ.» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخْرِجٍ لِلْحَدَثِ، فَلَمْ يَكُنْ عَوْرَةً، كَالسَّاقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute