يُنْتَفَعُ بِخِدْمَتِهِ، وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، فَاسْتِرْقَاقُهُ أَصْلَحُ، كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَالْإِمَامُ أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَوَّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ، وقَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] عَامٌّ لَا يُنْسَخُ بِهِ الْخَاصُّ، بَلْ يَنْزِلُ عَلَى مَا عَدَا الْمَخْصُوصَ، وَلِهَذَا لَمْ يُحَرِّمُوا اسْتِرْقَاقَهُ، فَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، فَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ فِي الْعَجَمِ دُونَ الْعَرَبِ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. وَلَنَا، أَنَّهُ كَافِرٌ لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ، فَلَمْ يُقَرّ بِالِاسْتِرْقَاقِ كَالْمُرْتَدِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلِيلَ عَلَيْهِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا تَخْيِيرُ مَصْلَحَةٍ وَاجْتِهَادٍ، لَا تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ، فَمَتَى رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ، تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهَا، وَمَتَى تَرَدَّدَ فِيهَا، فَالْقَتْلُ أَوْلَى.
قَالَ مُجَاهِدٌ فِي أَمِيرَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا يَقْتُلُ الْأَسْرَى: وَهُوَ أَفْضَلُ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: الْإِثْخَانُ أَحَبُّ إلَيَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا يَطْمَعُ بِهِ فِي الْكَثِيرِ.
[فَصْلٌ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ]
(٧٤٥٢) فَصْلٌ: وَإِنْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ صَارَ رَقِيقًا فِي الْحَالِ، وَزَالَ التَّخْيِيرُ، وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ النِّسَاءِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَفِي الْآخَرِ يَسْقُطُ الْقَتْلُ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ
لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَرُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَلَامَ أُخِذْت وَأَخَذْت سَابِقَةُ الْحَاجِّ؛ فَقَالَ: أُخِذْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك مِنْ ثَقِيفٍ، فَقَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِي. فَمَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُك؟ فَقَالَ: إنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالَ: «لَوْ قُلْتهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك لَأَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ. وَفَادَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلَيْنِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ سَقَطَ الْقَتْلُ بِإِسْلَامِهِ، فَبَقِيَ بَاقِي الْخِصَالِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَسِيرٌ يَحْرُمُ قَتْلُهُ، فَصَارَ رَقِيقًا كَالْمَرْأَةِ، وَالْحَدِيثُ لَا يُنَافِي رِقَّهُ، فَقَدْ يُفَادَى بِالْمَرْأَةِ وَهِيَ رَقِيقٌ، كَمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، أَنَّهُ غَزَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَنَفَلَهُ امْرَأَةً، فَوَهَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ بِهَا إلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَفِي أَيْدِيهمْ أُسَارَى، فَفَدَاهُمْ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ. إلَّا أَنَّهُ لَا يُفَادَى بِهِ، وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، إلَّا بِإِذْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute