بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ كَبِيرَةً، يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، فَمَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا، أَوْ بَذَلَتْ تَسْلِيمَهَا، وَلَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا، وَلَا مَنَعَهَا أَوْلِيَاؤُهَا، فَعَلَى زَوْجِهَا الصَّبِيِّ نَفَقَتُهَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَلَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً أَوْ صَغِيرَةً
وَلَنَا، أَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا تَسْلِيمًا صَحِيحًا، فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا، وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِمَرَضِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ، وَفَارَقَ مَا إذَا غَابَتْ، أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً، فَإِنَّهَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا تَسْلِيمًا صَحِيحًا، وَلَمْ تَبْذُلْ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا يُجْبَرُ الْوَلِيُّ عَلَى نَفَقَتِهَا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا الْوَلِيُّ يَنُوبُ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِ، كَمَا يُؤَدِّي أُرُوشَ جِنَايَاتِهِ، وَقِيَمَ مُتْلَفَاتِهِ، وَزَكَوَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الْكَبِيرِ
فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْإِنْفَاقِ، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ بِالْحَبْسِ، فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ، أَخَذَ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، وَصَبَرَ الْوَلِيُّ عَلَى الْحَبْسِ، وَتَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ، فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْكَبِيرِ، أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا، فَكَذَلِكَ فِي أَحْكَامِهِ.
[فَصْلٌ بَذَلَتْ الرَّتْقَاءُ أَوْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ أَوْ النِّضْوَةُ الْخَلْقِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَوْ الْمَرِيضَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا]
(٦٥٢٢) فَصْلٌ: وَإِنْ بَذَلَتْ الرَّتْقَاءُ، أَوْ الْحَائِضُ، أَوْ النُّفَسَاءُ، أَوْ النِّضْوَةُ الْخَلْقِ الَّتِي لَا يُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا، أَوْ الْمَرِيضَةُ، تَسْلِيمَ نَفْسِهَا، لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ مُمْكِنٌ، وَلَا تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتهَا وَإِنْ مَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ، وَيُفَارِقُ الصَّغِيرَةَ، فَإِنَّ لَهَا حَالًا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِيهَا اسْتِمْتَاعًا تَامًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا انْتِظَارًا لِتِلْكَ الْحَالِ، بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ، وَلِذَلِكَ لَوْ طَلَبَ تَسْلِيمَ هَؤُلَاءِ وَجَبَ تَسْلِيمُهُنَّ، وَلَوْ طَلَبَ تَسْلِيمَ الصَّغِيرَةِ لَمْ يَجِبْ فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ بَذَلَتْ الصَّحِيحَةُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا دُونَ الْوَطْءِ، لَمْ تُجِبْ لَهَا النَّفَقَةُ، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ قُلْنَا: لِأَنَّ تِلْكَ مَنَعَتْ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهَا، وَهَؤُلَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ التَّمْكِينُ مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي وَطْئِهِ لِضِيقِ فَرْجِهَا، أَوْ قُرُوحٍ بِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ هُوَ، أُرِيَتْ امْرَأَةً ثِقَةً، وَعُمِلَ بُقُولِهَا
وَإِنْ ادَّعَتْ عَبَالَةَ ذَكَرِهِ وَعِظَمَهُ، جَازَ أَنْ تَنْظُرَ الْمَرْأَةُ إلَيْهِمَا حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ لِلْحَاجَةِ وَالشَّهَادَةِ.
[مَسْأَلَةٌ طَالَبَ الزَّوْجُ بِالدُّخُولِ وَقَالَتْ لَا أُسَلِّمُ نَفْسِي حَتَّى أَقْبِضَ صَدَاقِي]
(٦٥٢٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ طَالَبَ الزَّوْجُ بِالدُّخُولِ، وَقَالَتْ: لَا أُسَلِّمُ نَفْسِي حَتَّى أَقْبِضَ صَدَاقِي كَانَ ذَلِكَ لَهَا، وَلَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ إلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا صَدَاقَهَا) وَجُمْلَتُهُ، أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَتَسَلَّمَ صَدَاقَهَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا قَبْلَ تَسْلِيمِ صَدَاقِهَا يُفْضِي إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَنْفَعَتَهَا الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا بِالْوَطْءِ، ثُمَّ لَا يُسَلِّمَ صَدَاقَهَا، فَلَا يُمْكِنُهَا الرُّجُوعُ فِيمَا اسْتَوْفَى مِنْهَا، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ إذَا تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَعْسَرَ بِالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ فَلِهَذَا أَلْزَمْنَاهُ تَسْلِيمَ صَدَاقِهَا أَوَّلًا، وَجَعَلْنَا لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ إلَيْهَا الصَّدَاقَ ثُمَّ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، أَمْكَنَ الرُّجُوعُ فِيهِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَتَى امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا لِتَقْبِضَ صَدَاقَهَا، فَلَهَا نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا امْتَنَعَتْ بِحَقٍّ
فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute