كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ زَوَالَ جِنَايَتِهِ، وَلَا قَطْعَ سِرَايَته، فَإِنَّ الْأَلَمَ الْحَاصِلَ بِالْقَطْعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَزُلْ، وَإِنَّمَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْأَلَمُ الثَّانِي، فَضَعُفَتْ النَّفْسُ عَنْ احْتِمَالِهِمَا، فَزَهَقَتْ بِهِمَا، فَكَانَ الْقَتْلُ بِهِمَا. وَيُخَالِفُ الِانْدِمَالَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى مَعَهُ الْأَلَمُ الَّذِي حَصَلَ فِي الْأَعْضَاءِ الشَّرِيفَةِ، فَاخْتَلَفَا. فَإِنْ ادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّ جُرْحَهُ انْدَمَلَ، فَصَدَّقَهُ الْوَلِيُّ، سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَلَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ شَرِيكُهُ، وَاخْتَارَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ، فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي تَكْذِيبِهِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ وَاجِبٌ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ إلَى الدِّيَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ.
وَإِنْ كَذَّبَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَ، حَلَفَ، وَكَانَ لَهُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ. وَلَوْ ادَّعَى الثَّانِي انْدِمَالَ جُرْحِهِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ.
[مَسْأَلَةٌ قَطَعَ يَدًا جَمَاعَةٌ]
(٦٦٣٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا قَطَعُوا يَدًا، قُطِعَتْ نَظِيرَتُهَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا اشْتَرَكُوا فِي جُرْحٍ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى جَمِيعِهِمْ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا تُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ. وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ وَجْهًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا يُقْتَلُونَ بِالْوَاحِدِ.
وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْأَطْرَافَ لَا تُؤْخَذُ بِطَرَفٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهَا، بِدَلِيلِ أَنَّا لَا نَأْخُذُ الصَّحِيحَةَ بِالشَّلَّاءِ، وَلَا كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَتِهَا، وَلَا أَصْلِيَّةً بِزَائِدَةٍ، وَلَا زَائِدَةً بِأَصْلِيَّةٍ، وَلَا يَمِينًا بِيَسَارٍ، وَلَا يَسَارًا بِيَمِينٍ، وَلَا نُسَاوِي بَيْنَ الطَّرَفِ وَالْأَطْرَافِ، فَوَجَبَ امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي النَّفْسِ، فَإِنَّنَا نَأْخُذُ الصَّحِيحَ بِالْمَرِيضِ، وَصَحِيحَ الْأَطْرَافِ بِمَقْطُوعِهَا وَأَشَلَّهَا، وَلِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ التَّسَاوِي فِي نَفْسِ الْقَطْعِ، بِحَيْثُ لَوْ قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، بِخِلَافِ النَّفْسِ، وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ الْمُوجِبَ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ يَقَعُ كَثِيرًا، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ زَجْرًا عَنْهُ، كَيْ لَا يُتَّخَذَ وَسِيلَةً إلَى كَثْرَةِ الْقَتْلِ، وَالِاشْتِرَاكُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ.
وَلِأَنَّ إيجَابَ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ فِي النَّفْسِ يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ عَنْ كُلِّ اشْتِرَاكٍ، أَوْ عَنْ الِاشْتِرَاكِ الْمُعْتَادِ، وَإِيجَابُهُ عَنْ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الطَّرَفِ، لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ عَنْ الِاشْتِرَاكِ الْمُعْتَادِ، وَلَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، إلَّا عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةِ الْوُقُوعِ بَعِيدَةِ الْوُجُودِ، يُحْتَاجُ فِي وُجُودِهَا إلَى تَكَلُّفٍ، فَإِيجَابُ الْقِصَاصِ لِلزَّجْرِ عَنْهَا يَكُونُ مَنْعًا لَشَيْءٍ مُمْتَنِعٍ بِنَفْسِهِ لِصُعُوبَتِهِ، وَإِطْلَاقًا فِي الْقَطْعِ السَّهْلِ الْمُعْتَادِ بِنَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ فَاعِلِهِ، وَهَذَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بِخِلَافِ الِاشْتِرَاكِ فِي النَّفْسِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمَاعَةِ بِوَاحِدٍ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، لِكَوْنِهِ يَأْخُذُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute