رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» . وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ.
فَعَلَى هَذَا، لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ فِي كُلِّ لَفْظَةٍ، وَمَعَ اللَّعْنِ فِي الْخَامِسَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ لَفْظَاتِ اللِّعَانِ. وَذَكَرَ الْخِرَقِيِّ شَرْطًا خَامِسًا، وَهُوَ تَفْرِيقُ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَشْتَرِطُ تَفْرِيقَ الْحَاكِمِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ، فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَلَا يُشْتَرَطُ تَفْرِيقُ الْحَاكِمِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، كَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَلَا لِفَسْخِ النِّكَاحِ. وَشَرَطَ أَيْضًا شَرْطًا سَادِسًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَذَفَهَا. وَهَذَا شَرْطُ اللِّعَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقَذْفِ، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ وَلَدْت امْرَأَتُهُ تَوْأَمَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَاسْتَلْحَقَ أَحَدَهُمَا وَنَفَى نَسُبّ الْآخِرَ]
(٦٢٦٨) فَصْلٌ: وَإِنْ وَلَدْت امْرَأَتُهُ تَوْأَمَانٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. فَاسْتَلْحَقَ أَحَدَهُمَا، وَنَفَى الْآخَرَ، لَحِقَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مِنْهُ وَبَعْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ نَسَبُ أَحَدِهِمَا مِنْهُ، ثَبَتَ نَسَبُ الْآخَرِ ضَرُورَةً، فَجَعَلْنَا مَا نَفَاهُ تَابِعًا لِمَا اسْتَلْحَقَهُ، وَلَمْ نَجْعَلْ مَا أَقَرَّ بِهِ تَابِعًا لِمَا نَفَاهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِهِ لَا لِنَفْيِهِ، وَلِهَذَا لَوْ أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ يُمْكِن كَوْنُهُ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ، أَلْحَقْنَاهُ بِهِ احْتِيَاطًا، وَلَمْ نَقْطَعْهُ عَنْهُ احْتِيَاطًا لِنَفْيِهِ. فَإِنْ كَانَ قَدْ قَذَفَ أُمَّهُمَا وَطَالَبَتْهُ بِالْحَدِّ، فَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي، أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ بِاللِّعَانِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِلْحَاقِهِ اعْتَرَفَ بِكَذِبِهِ فِي قَذْفِهِ، فَلَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ، انْتِفَاءُ الزِّنَا عَنْهَا، كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الزِّنَا مِنْهَا كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، لَمْ يَنْتَفِ الْوَلَدُ عَنْهُ، فَلَا تَنَافِي بَيْنَ لِعَانِهِ وَبَيْنَ اسْتِلْحَاقِهِ لِلْوَلَدِ. وَإِنْ اسْتَلْحَقَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ وَسَكَتَ عَنْ الْآخَرِ، لَحِقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ لَلَحِقَهُ، فَإِذَا سَكَتَ عَنْهُ كَانَ أَوْلَى، وَلِأَنَّ امْرَأَتَهُ مَتَى أَتَتْ بِوَلَدٍ، لَحِقَهُ مَا لَمْ يَنْفِهِ عَنْهُ بِاللِّعَانِ. وَإِنْ نَفَى أَحَدَهُمَا، وَسَكَتَ عَنْ الْآخَرِ، لَحِقَاهُ جَمِيعًا. فَإِنْ قِيلَ: أَلَا نَفَيْتُمْ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَفَى أَخَاهُ، وَهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ؟ قُلْنَا لُحُوقُ النَّسَبِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَثْبُتْ الْوَطْءُ، وَلَا يَنْتَفِي الْإِمْكَانُ لِلنَّفْيِ، فَافْتَرَقَا.
فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، فَنَفَاهُ، وَلَاعَنَ لِنَفْيِهِ، ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمْ يَنْتَفِ الثَّانِي بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ تَنَاوَلَ الْأَوَّلَ وَحْدَهُ، وَيَحْتَاجُ فِي نَفْيِ الثَّانِي إلَى لِعَانٍ ثَانٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى لِعَانٍ ثَانٍ؛ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ مَرَّةً، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى لِعَانٍ ثَانٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. فَإِنْ أَقَرَّ بِالثَّانِي، لَحِقَهُ هُوَ وَالْأَوَّلُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْ نَفْيِهِ، لَحِقَاهُ أَيْضًا. فَأَمَّا إنْ نَفَى الْوَلَدَ بِاللِّعَانِ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهَذَا مِنْ حَمْلٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ وَلَدَيْنِ مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute