أَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَنَشٍ، بِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى ذَلِكَ تَوْقِيفًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ الضَّمَانُ بِالسَّبَبِ]
(٦٨٧٢) فَصْلٌ: وَيَجِبُ الضَّمَانُ بِالسَّبَبِ، كَمَا يَجِبُ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ وَضَعَ فِي ذَلِكَ حَجَرًا أَوْ حَدِيدَةً، أَوْ صَبَّ فِيهِ مَاءً، أَوْ وَضَعَ فِيهِ قِشْرَ بِطِّيخٍ أَوْ نَحْوَهُ، وَهَلَكَ فِيهِ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِعُدْوَانِهِ فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ. رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ ضَمَّنَ رَجُلًا حَفَرَ بِئْرًا، فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
وَإِنْ وَضَعَ رَجُلٌ حَجَرًا، وَحَفَرَ آخَرُ بِئْرًا، أَوْ نَصَبَ سِكِّينًا، فَعَثَرَ بِالْحَجَرِ، فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ، أَوْ عَلَى السِّكِّينِ، فَهَلَكَ، فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ دُونَ الْحَافِرِ وَنَاصِبِ السِّكِّينِ؛ لِأَنَّ وَاضِعَ الْحَجَرِ كَالدَّافِعِ لَهُ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْحَافِرُ وَالدَّافِعُ فَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ وَحْدَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَلَوْ وَضَعَ رَجُلٌ حَجَرًا، ثُمَّ حَفَرَ عِنْدَهُ آخَرُ بِئْرًا، أَوْ نَصَبَ سِكِّينًا، فَعَثَرَ بِالْحَجَرِ، فَسَقَطَ عَلَيْهِمَا، فَهَلَكَ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَضْمَنَ الْحَافِرُ وَنَاصِبُ السِّكِّينِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ فِعْلِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ زِقٌّ فِيهِ مَائِعٌ وَهُوَ وَاقِفٌ، فَحَلَّ وِكَاءَهُ إنْسَانٌ، وَأَمَالَهُ آخَرُ، فَسَالَ مَا فِيهِ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْآخِرِ مِنْهُمَا. وَإِنْ وَضَعَ إنْسَانٌ حَجَرًا أَوْ حَدِيدَةً فِي مِلْكِهِ، أَوْ حَفَرَ فِيهِ بِئْرًا، فَدَخَلَ إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهَلَكَ بِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَإِنَّمَا الدَّاخِلُ هَلَكَ بِعُدْوَانِ نَفْسِهِ، وَإِنْ وَضَعَ حَجَرًا فِي مِلْكِهِ، وَنَصَبَ أَجْنَبِيٌّ فِيهِ سِكِّينًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَعَثَرَ رَجُلٌ بِالْحَجَرِ، فَوَقَعَ عَلَى السِّكِّينِ أَوْ فِي الْبِئْرِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ وَنَاصِبِ السِّكِّينِ، لِتَعَدِّيهِمَا، إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ الضَّمَانُ بِوَاضِعِ الْحَجَرِ؛ لِانْتِفَاءِ عُدْوَانِهِ.
وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي عُدْوَانٍ تَلِفَ بِهِ شَيْءٌ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ وَضَعَ اثْنَانِ حَجَرًا، وَوَاحِدٌ حَجَرًا، فَعَثَرَ بِهِمَا إنْسَانٌ، فَهَلَكَ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ أَثْلَاثًا، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ حَصَلَ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا، فَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَفْعَالُهُمْ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ جُرْحَيْنِ، وَجَرَحَهُ اثْنَانِ جُرْحَيْنِ، فَمَاتَ بِهِمَا.
وَقَالَ زُفَرُ: عَلَى الِاثْنَيْنِ النِّصْفُ، وَعَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ وَحْدَهُ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُسَاوٍ لَفِعْلِهِمَا. وَإِنْ حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا، وَنَصَبَ آخَرُ سِكِّينًا، فَوَقَعَ إنْسَانٌ فِي الْبِئْرِ عَلَى السِّكِّينِ، فَمَاتَ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ. وَهَذَا قِيَاسُ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَنَصَّ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِمَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْمُمْسِكِ وَالْقَاتِلِ، الْحَافِرُ كَالْمُمْسِكِ، وَنَاصِبُ السِّكِّينِ كَالْقَاتِلِ، فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى جَمِيعِ الْمُتَسَبِّبِينَ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute