الِاسْتِتَابَةِ، وَتَحْرِيمِ الِاسْتِرْقَاقِ.
وَأَمَّا مَنْ حَدَثَ بَعْدَ الرِّدَّةِ، فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، لِأَنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، فَلَا يُقَرُّونَ بِالِاسْتِرْقَاقِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وُلِدُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُمْ، وَإِنْ وُلِدُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ، جَازَ اسْتِرْقَاقُهُمْ.
وَلَنَا، أَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ، فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُمْ، كَوَلَدِ الْحَرْبِيَّيْنِ، بِخِلَافِ آبَائِهِمْ. فَعَلَى هَذَا، إذَا وَقَعَ فِي الْأَسْرِ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُقَرَّ بِالْجِزْيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَذْلَ الْجِزْيَةَ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يُقَرَّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ. فَأَمَّا مَنْ كَانَ حَمْلًا حِينَ رِدَّتِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ كَالْحَادِثِ بَعْدَ كُفْرِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، هُوَ كَالْمَوْلُودِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَلِهَذَا يَرِثُ.
وَلَنَا، أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْدَ الْوَضْعِ، فَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ. (٧١٠٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَوْلَادِهِمَا الَّذِينَ وَصَفْتُ مِنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ) . قَوْلُهُ: الَّذِينَ وَصَفْتُ. يَعْنِي الَّذِينَ وُلِدُوا قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَإِنَّهُمْ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَا يُسْتَرَقُّونَ. وَمَتَى قَدَرَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِمَا، اُسْتُتِيبَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَمَنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ انْتَظَرْنَا بُلُوغَهُ، ثُمَّ اسْتَتَبْنَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْبَسَ حَتَّى لَا يَهْرُبَ.
[فَصْلٌ ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ وَجَرَتْ فِيهِ أَحْكَامُهُمْ]
(٧١٠٥) فَصْلٌ: وَمَتَى ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ، وَجَرَتْ فِيهِ أَحْكَامُهُمْ، صَارُوا دَارَ حَرْبٍ فِي اغْتِنَامِ أَمْوَالِهِمْ، وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ الْحَادِثِينَ بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَعَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُمْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ بِجَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَهَؤُلَاءِ أَحَقُّهُمْ بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ رُبَّمَا أَغْرَى أَمْثَالَهُمْ بِالتَّشَبُّهِ بِهِمْ وَالِارْتِدَادِ مَعَهُمْ، فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ بِهِمْ. وَإِذَا قَاتَلَهُمْ، قَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَتْبَعُ مُدْبِرَهُمْ، وَيُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَتُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ حَتَّى تُجْمَعَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ؛ أَنْ تَكُونَ مُتَاخِمَةً لِدَارِ الْحَرْبِ، لَا شَيْءَ بَيْنَهُمَا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَبْقَى فِيهَا مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ آمِنٌ. الثَّالِثُ: أَنْ تَجْرِيَ فِيهَا أَحْكَامُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute