فِي الْعَادَةِ وَحْدَهُ، إنَّمَا يُعَدُّ لِلتَّأَدُّمِ بِهِ، وَأَكْلِ الْخُبْزِ بِهِ، فَكَانَ أُدْمًا، كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُرْفَعُ إلَى الْفَمِ وَحْدَهُ مُفْرَدًا. عَنْهُ جَوَابَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ مِنْهُ مَا يُرْفَعُ مَعَ الْخُبْزِ، كَالْمِلْحِ وَنَحْوِهِ. وَالثَّانِي، أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْفَمِ وَالْمَضْغِ وَالْبَلْعِ، الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْأَكْلِ، فَلَا يَضُرُّ افْتِرَاقُهُمَا قَبْلَهُ، فَأَمَّا التَّمْرُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، هُوَ أُدْمٌ؛ لِمَا رَوَى يُوسُفُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ، وَقَالَ: هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَالثَّانِي، لَيْسَ بِأُدْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَدَمُ بِهِ عَادَةً، إنَّمَا يُؤْكَلُ قُوتًا أَوْ حَلَاوَةً. وَإِنْ أَكَلَ الْمِلْحَ مَعَ الْخُبْزِ فَهُوَ إدَامٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ يُؤْكَلُ بِهِ الْخَبَرُ، وَلَا يُؤْكَلُ مُنْفَرِدًا عَادَةً، أَشْبَهَ الْجُبْنَ وَالزَّيْتُونَ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ مَا يُسَمَّى طَعَامًا]
(٨١٤١) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا، فَأَكَلَ مَا يُسَمَّى طَعَامًا؛ مِنْ قُوتٍ، وَأُدْمٍ، وَحَلْوَاءَ، وَتَمْرٍ، وَجَامِدٍ، وَمَائِعٍ حَنِثَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: ٩٣] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: ٨] . يَعْنِي عَلَى مَحَبَّةِ الطَّعَامِ؛ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ، وَقِيلَ: عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: ١٤٥] . «وَسَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّبَنَ طَعَامًا، فَقَالَ: إنَّمَا يَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهمْ أَطْعِمَتَهُمْ» . وَفِي الْمَاءِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، هُوَ طَعَامٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: ٢٤٩] . وَالطَّعَامُ مَا يُطْعَمُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى اللَّبَنَ طَعَامًا، وَهُوَ مَشْرُوبٌ، فَكَذَلِكَ الْمَاءُ.
وَالثَّانِي، لَيْسَ بِطَعَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَعَامًا، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الطَّعَامِ، وَلِهَذَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ: طَعَامٌ وَشَرَابٌ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا اللَّبَنَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَيُقَالُ: بَابُ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ. وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ طَعَامًا فِي الْحَقِيقَةِ، فَلَيْسَ بِطَعَامٍ فِي الْعُرْفِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute