وَأَبِي ثَوْرٍ. وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَنْزَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الدَّارِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَيَكُونُ لِمَنْ وَجَدَهُ، لَكِنْ إنْ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهَا عَلَى مَحِلِّهِ. وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ، فَهُوَ لِوَاجِدِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لِمَالِكِ الدَّارِ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، فَهُوَ لِأَوَّلِ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ.
وَيُخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حَفَّارًا لِيَحْفِرَ لَهُ طَلَبًا لِكَنْزٍ يَجِدُهُ، فَوَجَدَهُ، فَلَا شَيْءَ لِلْأَجِيرِ، وَيَكُونُ الْوَاجِدُ لَهُ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِذَلِكَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْتَشَّ لَهُ أَوْ يَصْطَادَ، فَإِنَّ الْحَاصِلَ مِنْ ذَلِكَ لِلْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْأَجِيرِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لَأَمْرٍ غَيْرِ طَلَبِ الرِّكَازِ، فَالْوَاجِدُ لَهُ هُوَ الْأَجِيرُ. وَهَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا اسْتَأْجَرْت أَجِيرًا لِيَحْفِرَ لِي فِي دَارِي، فَوَجَدَ كَنْزًا، فَهُوَ لَهُ. وَإِنْ قُلْت: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحْفِرَ لِي هَاهُنَا. رَجَاءَ أَنَّ أَجِدَ كَنْزًا، فَسَمَّيْت لَهُ، فَلَهُ أَجْرُهُ، وَلِي مَا يُوجَدُ.
(١٩٠١) فَصْلٌ: وَإِنْ اكْتَرَى دَارًا، فَوَجَدَ فِيهَا رِكَازًا، فَهُوَ لِوَاجِدِهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَالْآخَرُ هُوَ لِلْمَالِكِ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فِي مَنْ وَجَدَ رِكَازًا فِي مِلْكٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: هَذَا لِي. فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الدِّفْنَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ. وَالثَّانِي، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّ هَذَا مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْهَا، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مِنْ يَدُهُ عَلَيْهَا، كَالْقُمَاشِ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ، أَنْ يَجِدَهُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ لَهُمْ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ لِوَاجِدِهِ، حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ عُرِفَ مَالِكُ الْأَرْضِ، وَكَانَ حَرْبِيًّا، فَهُوَ غَنِيمَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي حِرْزِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ بَيْتٍ أَوْ خِزَانَةٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَيْسَ لِمَوْضِعِهِ مَالِكٌ مُحْتَرَمٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ. وَيُخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الرِّكَازَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ صِفَةِ الرِّكَازِ الَّذِي فِيهِ الْخُمْسُ]
(١٩٠٢) الْفَصْلُ الثَّالِثُ، فِي صِفَةِ الرِّكَازِ الَّذِي فِيهِ الْخُمْسُ، وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ مَالًا عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالْآنِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْأَثْمَانِ. وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» . وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute