لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى الْخِدْمَةِ اسْتِخْدَامٌ، وَلِهَذَا يُقَالُ: فُلَانٌ يَسْتَخْدِمُ عَبْدَهُ إذَا خَدَمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ، وَلِأَنَّ مَا حَنِثَ بِهِ فِي عَبْدِهِ، حَنِثَ بِهِ فِي غَيْرِهِ، كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْنَثُ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ.
[فَصْلٌ حَلَفَ رَجُلٌ بِاَللَّهِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِكَ]
(٨١٧٠) فَصْلٌ: وَإِذَا حَلَفَ رَجُلٌ بِاَللَّهِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِك. لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ يَمِينَ الْأَوَّلِ لَيْسَتْ ظَرْفًا لِيَمِينِ الثَّانِي. وَإِنْ نَوَى أَنَّهُ يَلْزَمُنِي مِنْ الْيَمِينِ مَا يَلْزَمُك، لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُهَا. قَالَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ لَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْكَفَّارَةِ بِهَا لِحُرْمَةِ اللَّفْظِ بِاسْمِ اللَّهِ الْمُحْتَرَمِ، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْكِنَايَةِ، وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ، فَقَالَ آخَرُ: يَمِينِي فِي يَمِينِك. يَنْوِي بِهِ، أَنَّهُ يَلْزَمُنِي مِنْ الْيَمِينَ مَا يَلْزَمُك، انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا، فَقَالَ رَجُلٌ: وَأَنَا عَلَى مِثْلِ يَمِينِك؟ فَقَالَ: عَلَيْهِ مِثْلُ مَا قَالَهُ الَّذِي حَلَفَ. لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَدْخُلُ فِي الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ يَمِينُ الْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَعْمَلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَيْسَ هَذَا بِصَرِيحٍ. وَإِنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ لَمْ يَحْلِفْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الْآخَرَ مِنْ يَمِينٍ يَحْلِفُ بِهَا، فَحَلَفَ الْمَقُولُ لَهُ، لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُ الْقَائِلِ، وَإِنْ كَانَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يُكَنَّى عَنْهُ، وَلَيْسَ هَاهُنَا مَا يُكَنَّى عَنْهُ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فِيمَنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي. أَنَّهُ إنْ عَرَفَهَا، وَنَوَى جَمِيعَ مَا فِيهَا، انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا. وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَكُونُ فِيهَا وَجْهَانِ.
[فَصْلٌ قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي]
(٨١٧١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ: كُنْت عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ الْخِرَقِيِّ، وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ، فَقَالَ: لَسْت أُفْتِي فِيهَا بِشَيْءٍ، وَلَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ شُيُوخِنَا يُفْتِي فِي هَذِهِ الْيَمِينِ. قَالَ: وَكَانَ أَبِي، - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي أَبَا عَلِيِّ - يَهَابُ الْكَلَامَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْحَالِفُ بِهَا جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَيْمَانِ. فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: عَرَفَهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ هِيَ الَّتِي رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ يَسْتَحْلِفُ بِهَا عِنْدَ الْبَيْعَةِ وَالْأَمْرِ الْمُهِمِّ لِلسُّلْطَانِ.
«وَكَانَتْ الْبَيْعَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ بِالْمُصَافَحَةِ» ، فَلَمَّا وُلِّيَ الْحَجَّاجُ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ. فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا، لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ بِشَيْءٍ مِمَّا فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَسَمِ، وَالْكِنَايَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا لَمْ يَصِحّ أَنْ يَنْوِيَهُ. وَإِنْ عَرَفَهَا، وَلَمْ يَنْوِ عَقْدَ الْيَمِينِ بِمَا فِيهَا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمَنْ عَرَفَهَا، وَنَوَى الْيَمِينَ بِمَا فِيهَا، صَحَّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى، وَمَا عَدَا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ، فَقَالَ الْقَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute