وَالنَّرْجِسِ، وَالْبَرَمِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُبَاحُ بِغَيْرِ فِدْيَةٍ.
قَالَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَإِسْحَاقُ. وَالْآخَرُ، يَحْرُمُ شَمُّهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ لِلطِّيبِ، فَأَشْبَهَ الْوَرْدَ. وَكَرِهَهُ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَمْ يُوجِبُوا فِيهِ شَيْئًا. وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِيهِ مُحْتَمِلٌ لَهَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرَّيْحَانِ: لَيْسَ مِنْ آلَةِ الْمُحْرِمِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِدْيَتَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، فَأَشْبَهَ الْعُصْفُرَ. الثَّالِثُ، مَا يَنْبُتُ لِلطِّيبِ، وَيُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْخَيْرِيِّ، فَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ وَشَمَّهُ، فَفِيهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ فِي أَصْلِهِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي الْوَرْدِ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَمِّهِ؛ لِأَنَّهُ زَهْرٌ شَمَّهُ عَلَى جِهَتِهِ، أَشْبَهَ زَهْرَ سَائِرِ الشَّجَرِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ رِوَايَتَيْنِ. وَالْأَوْلَى تَحْرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ لِلطِّيبِ، وَيُتَّخَذُ مِنْهُ، أَشْبَهَ الزَّعْفَرَانَ وَالْعَنْبَرَ. قَالَ الْقَاضِي: يُقَالُ إنَّ الْعَنْبَرَ ثَمَرُ شَجَرٍ، وَكَذَلِكَ الْكَافُورُ.
(٢٣٥٣) فَصْلٌ: وَإِنْ مَسَّ مِنْ الطِّيبِ مَا يَعْلَقُ بِيَدِهِ، كَالْغَالِيَةِ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَالْمِسْكِ الْمَسْحُوقِ الَّذِي يَعْلَقُ بِأَصَابِعِهِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لِلطِّيبِ. وَإِنْ مَسَّ مَا لَا يَعْلَقُ بِيَدِهِ، كَالْمِسْكِ غَيْرِ الْمَسْحُوقِ، وَقِطَعِ الْكَافُورِ، وَالْعَنْبَرِ، فَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ لِلطِّيبِ. فَإِنْ شَمَّهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ هَكَذَا. وَإِنْ شَمَّ الْعُودَ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَطَيَّبُ بِهِ هَكَذَا.
[مَسْأَلَة لَا يَلْبَس الْمُحْرِم ثَوْبًا مَسَّهُ وَرَسّ وَلَا زَعْفَرَانُ وَلَا طِيبٌ]
(٢٣٥٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا طِيبٌ) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي هَذَا. وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلَا الْوَرْسُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَكُلُّ مَا صُبِغَ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ، أَوْ غُمِسَ فِي مَاءِ وَرْدٍ، أَوْ بُخِّرَ بِعُودٍ، فَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهُ، وَلَا الْجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَلَا النَّوْمُ عَلَيْهِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَيْهِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ، فَأَشْبَهَ لُبْسَهُ. وَمَتَى لَبِسَهُ، أَوْ اسْتَعْمَلَهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ رَطْبًا يَلِي بَدَنَهُ، أَوْ يَابِسًا يُنْفَضُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَطَيِّبٍ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَنْهِيُّ عَنْهُ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِهِ، كَاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ. وَلِأَنَّهُ مُحْرِمٌ اسْتَعْمَلَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا، فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِهِ كَالرَّطْبِ. فَإِنْ غَسَلَهُ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute