خَاصَّةً.
فَإِذَا اسْتَعَارَهَا إلَى طَبَرِيَّةَ، فَتَجَاوَزَ إلَى الْقُدْسِ، فَعَلَيْهِ أَجْرُ مَا بَيْنَ طَبَرِيَّةَ وَالْقُدْسِ خَاصَّةً. وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْمَالِكُ: أَعَرْتُكَهَا إلَى طَبَرِيَّةَ. وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: أَعَرْتنِيهَا إلَى الْقُدْسِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْي. وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ يُشْبِهُ مَا قَالَ الْمُسْتَعِيرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَلَنَا، أَنَّ الْمَالِكَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . .
[فَصْل اسْتَعَارَ شَيْئًا فَانْتَفَعَ بِهِ ثُمَّ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا]
(٣٩٢٨) فَصْلٌ: وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا، فَانْتَفَعَ بِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا فَلِمَالِكِهِ أَجْرُ مِثْلِهِ، يُطَالِبُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ، رَجَعَ عَلَى الْمُعِيرِ بِمَا غَرِمَ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِذَلِكَ وَغَرَّمَهُ، لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنْ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ. وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمُعِيرِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، فَإِنَّ الضَّمَانَ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي قَصَّارٍ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، فَلَبِسَهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَصَّارِ دُونَ اللَّابِسِ. وَإِنْ تَلِفَ فَالْقِيمَةُ تَسْتَقِرُّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْعَيْنِ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ.
فَإِنْ ضَمِنَ الْمُعِيرُ، رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ بِالِاسْتِعْمَالِ، انْبَنَى عَلَى ضَمَانِ النَّقْصِ، فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقِيمَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى الْمُعِيرِ. فَهُوَ كَالْأَجْرِ. عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
[فَصْلٌ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ رَجُلِ مِنْ أَرْضِهِ إلَى أَرْضٍ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا]
فَصْلٌ: وَإِذَا حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ رَجُلِ مِنْ أَرْضِهِ إلَى أَرْضٍ غَيْرِهِ، فَنَبَتَ فِيهَا، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَلْعِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، إذَا طَالَبَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُ شَجَرَتِهِ فِي هَوَاءِ مِلْكِ جَارِهِ. وَلَنَا، أَنَّ قَلْعَهُ إتْلَافٌ لِلْمَالِ عَلَى مَالِكِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ، وَلَا يَدُومُ ضَرَرُهُ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا لَوْ حَصَلَتْ دَابَّتُهُ فِي دَارِ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ خُرُوجُهَا إلَّا بِقَلْعِ الْبَابِ أَوْ قَتْلِهَا، فَإِنَّنَا لَا نُجْبِرُهُ عَلَى قَتْلِهَا.
وَيُفَارِقُ أَغْصَانَ الشَّجَرَةِ، فَإِنَّهُ يَدُومُ ضَرَرُهُ، وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُ مَا يَشْغَلُ مِنْ الْهَوَاءِ فَيُؤَدِّي أَجْرَهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُقَرُّ فِي الْأَرْضِ إلَى حِينِ حَصَادِهِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ عَلَيْهِ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاتَتْ دَابَّتُهُ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ.
وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ إلْزَامَهُ تَبْقِيَةَ زَرْعٍ مَا أَذِنَ فِيهِ، فِي أَرْضِهِ، بِغَيْرِ أَجْرٍ وَلَا انْتِفَاعٍ، إضْرَارٌ بِهِ، وَشَغْلٌ لِمِلْكِهِ بِغَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute