الْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ أَخَّرَ نَفْيَهُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِالْوِلَادَةِ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ، بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا فِي الدَّارِ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت وِلَادَتَهُ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي نَفْيَهُ. أَوْ عَلِمْت ذَلِكَ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ. وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَعَامَّةِ النَّاسِ، قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِمْ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ، وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا، لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ يَخْفَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْ الْفَقِيهِ، وَيُقْبَلُ مِنْ النَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ، وَحَدِيثِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَهَلْ يُقْبَلُ مِنْ سَائِرِ الْعَامَّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْحُضُورِ لِنَفْيِهِ، كَالْمَرَضِ وَالْحَبْسِ، أَوْ الِاشْتِغَالِ بِحِفْظِ مَالٍ يَخَافُ ضَيْعَتَهُ، أَوْ بِمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ يَخَافُ فَوْتَهُ أَوْ غَيْبَتَهُ، نُظِرَتْ؛ فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ ذَلِكَ قَصِيرَةً فَأَخَّرَهُ إلَى الْحُضُورِ لِيَزُولَ عُذْرُهُ، لَمْ يَبْطُلْ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ لَيْلًا فَأَخَّرَهُ إلَى الصُّبْحِ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَطَاوَلُ، فَأَمْكَنَهُ التَّنْفِيذُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَبْعَثَ إلَيْهِ مَنْ يَسْتَوْفِي عَلَيْهِ اللِّعَانَ وَالنَّفْيَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، سَقَطَ نَفْيُهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ نَافٍ لِوَلَدِ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَفْيِهِ كَانَ الْإِشْهَادُ قَائِمًا مَقَامَهُ، كَمَا يُقِيمُ الْمَرِيضُ الْفَيْئَةَ بِقَوْلِهِ، بَدَلًا عَنْ الْفَيْئَةِ بِالْجِمَاعِ. فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخْبِرَ عَنْهُ. نُظِرَتْ؛ فَإِنْ كَانَ مُسْتَفِيضًا مُنْتَشِرًا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَفِيضًا، وَكَانَ الْمُخْبِرُ مَشْهُورَ الْعَدَالَةِ، لَمْ يُقْبَلْ، وَإِلَّا قُبِلَ.
وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ عَلَيَّ ذَلِكَ. قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، وَإِنْ عَلِمَ وَهُوَ غَائِبٌ، فَأَمْكَنَهُ السَّيْرُ، فَاشْتَغَلَ بِهِ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ، وَإِنْ أَقَامَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ السَّيْرِ، فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَإِنْ أَخَّرَ نَفْيَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَقَالَ: أَخَّرْت نَفْيَهُ رَجَاءَ أَنْ يَمُوتَ، فَأَسْتُرَ عَلَيْهِ وَعَلَيَّ. بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
[فَصْلٌ هُنِّئَ عَلَى الْوَلَد فِي اللِّعَانِ فَأَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ]
(٦٢٧٦) فَصْلٌ: فَإِنْ هُنِّئَ بِهِ، فَأَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ، لَزِمَهُ. فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَإِنْ قَالَ: أَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَك. أَوْ: بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْك. أَوْ: رَزَقَكَ اللَّهُ مِثْلَهُ. لَزِمَهُ الْوَلَدُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ جَازَاهُ عَلَى قَصْدِهِ. وَإِذَا قَالَ: رَزَقَكَ اللَّهُ مِثْلَهُ. فَلَيْسَ ذَلِكَ إقْرَارًا، وَلَا مُتَضَمِّنًا لَهُ. وَلَنَا، أَنَّ ذَلِكَ جَوَابُ الرَّاضِي فِي الْعَادَةِ، فَكَانَ إقْرَارًا، كَالتَّأْمِينِ عَلَى الدُّعَاءِ. وَإِنْ سَكَتَ، كَانَ إقْرَارًا. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ صُلْحٌ دَالًّا عَلَى الرِّضَى فِي حَقِّ الْبِكْرِ، وَفِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.
وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَزِمَهُ الْوَلَدُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute