[مَسْأَلَة النِّثَارُ مَكْرُوه]
(٥٦٨٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالنِّثَارُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ النُّهْبَةِ، وَقَدْ يَأْخُذُهُ مَنْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَى صَاحِبِ النِّثَارِ مِنْهُ) . اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي النِّثَارِ وَالْتِقَاطِهِ؛ فَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ، وَطَلْحَةَ، وَزُبَيْدٍ الْيَامِيِّ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرْطٍ، قَالَ: «قُرِّبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسُ بَدَنَاتٍ أَوْ سِتٌّ، فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ، فَنَحَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَسَأَلْت مَنْ قَرُبَ مِنْهُ، فَقَالَ: قَالَ: مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَهَذَا جَارٍ مَجْرَى النِّثَارِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ إلَى وَلِيمَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ أَتَوْا بِنَهْبٍ فَأَنْهَبَ عَلَيْهِ. قَالَ الرَّاوِي: وَنَظَرْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُزَاحِمُ النَّاسَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَمَا نَهَيْتَنَا عَنْ النُّهْبَةِ؟ قَالَ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ نُهْبَةِ الْعَسَاكِرِ» . وَلِأَنَّهُ نَوْعُ إبَاحَةٍ فَأَشْبَهَ إبَاحَةَ الطَّعَامِ لَلضَّيْفَانِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَحِلُّ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي لَفْظٍ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ.» وَلِأَنَّ فِيهِ نَهْبًا، وَتَزَاحُمًا، وَقِتَالًا، وَرُبَّمَا أَخَذَهُ مَنْ يَكْرَهُ صَاحِبَ النِّثَارِ، لِحِرْصِهِ وَشَرَهِهِ وَدَنَاءَةِ نَفْسِهِ، وَيُحْرَمُهُ مَنْ يُحِبُّ صَاحِبَهُ؛ لِمُرُوءَتِهِ وَصِيَانَةِ نَفْسِهِ وَعِرْضِهِ، وَالْغَالِبُ هَذَا، فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوآتِ يَصُونُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْ مُزَاحَمَةِ سَفَلَةِ النَّاسِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ فِي هَذَا دَنَاءَةً، وَاَللَّهُ يُحِبُّ مَعَالِي الْأُمُورِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا. فَأَمَّا خَبَرُ الْبَدَنَاتِ؛ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهُ لَا نُهْبَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِكَثْرَةِ اللَّحْمِ، وَقِلَّةِ الْآخِذِينَ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَنَاسِكِ عَنْ تَفْرِيقِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute