[مَسْأَلَةٌ بَيْع الْعَبْد الْآبِق]
(٣٠٧٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ. وَجُمْلَتُهُ؛ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ الْآبِقِ لَا يَصِحُّ، سَوَاءٌ عَلِمَ مَكَانَهُ، أَوْ جَهِلَهُ. وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْجَمَلِ الشَّارِدِ، وَالْفَرَسِ الْعَائِرِ، وَشِبْهِهِمَا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ بَعْضِ وَلَدِهِ بَعِيرًا شَارِدًا. وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْآبِقِ، إذَا كَانَ عِلْمُهُمَا فِيهِ وَاحِدًا. وَعَنْ شُرَيْحٍ مِثْلُهُ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَا بَيْعُ غَرَرٍ. وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، فَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِ إنْسَانٍ، جَازَ بَيْعُهُ؛ لِإِمْكَانِ تَسْلِيمِهِ.
[مَسْأَلَةٌ بَيْع الطَّيْر فِي الْهَوَاء وَالسَّمَك فِي الْمَاء]
(٣٠٨٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا الطَّائِرِ قَبْلَ أَنْ يُصَادَ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ؛ أَنَّهُ إذَا بَاعَ طَائِرًا فِي الْهَوَاءِ، لَمْ يَصِحَّ، مَمْلُوكًا أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكٍ؛ أَمَّا الْمَمْلُوكُ؛ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ، لَا يَجُوزُ لِعِلَّتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَالثَّانِيَةُ، أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا «نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.» وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: هُوَ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّائِرِ يَأْلَفُ الرُّجُوعَ، أَوْ لَا يَأْلَفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ الْآنَ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إذَا عَادَ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْغَائِبُ فِي مَكَان بَعِيدٍ، لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي الْحَالِ، قُلْنَا: الْغَائِبُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِحْضَارِهِ، وَالطَّيْرُ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُهُ عَلَى رَدِّهِ، إلَّا أَنْ يَرْجِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَقِلُّ مَالِكُهُ بِرَدِّهِ، فَيَكُونُ عَاجِزًا عَنْ تَسْلِيمِهِ، لِعَجْزِهِ عَنْ الْوَاسِطَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا تَسْلِيمُهُ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ.
وَإِنْ بَاعَهُ الطَّيْرَ فِي الْبُرْجِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ الْبُرْجُ مَفْتُوحًا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ إذَا قَدَرَ عَلَى الطَّيَرَانِ لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ، فَإِنْ كَانَ مُغْلَقًا وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ، جَازَ بَيْعُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ إلَّا بِتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مُلْغَى بِالْبَعِيدِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ إلَّا بِتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ الْبَعِيدَ تُعْلَمُ الْكُلْفَةُ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي إحْضَارِهِ بِالْعَادَةِ، وَتَأْخِيرُ التَّسْلِيمِ مُدَّتُهُ مَعْلُومَةٌ، وَلَا كَذَلِكَ فِي إمْسَاكِ الطَّائِرِ. وَالصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَنْ تَفَاوُتَ الْمُدَّةِ فِي إحْضَارِ الْبَعِيدِ، وَاخْتِلَافَ الْمَشَقَّةِ أَكْثَرُ مِنْ التَّفَاوُتِ وَالِاخْتِلَافِ فِي إمْسَاكِ طَائِرٍ مِنْ الْبُرْجِ، وَالْعَادَةُ تَكُونُ فِي هَذَا، كَالْعَادَةِ فِي ذَاكَ، فَإِذَا صَحَّ فِي الْبَعِيدِ مَعَ كَثْرَةِ التَّفَاوُتِ، وَشِدَّةِ اخْتِلَافِ الْمَشَقَّةِ، فَهَذَا أَوْلَى.
[مَسْأَلَةٌ بَيْع السَّمَك فِي الْآجَام]
(٣٠٨١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا السَّمَكِ فِي الْآجَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute