[فَصْلٌ غَسْلُ النَّجَاسَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّهَا]
(٥٩) فَصْلٌ: وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّهَا؛ إنْ كَانَتْ جِسْمًا لَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ كَالْآنِيَةِ، فَغَسْلُهُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهِ كُلَّ مَرَّةٍ غَسْلَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِ فِعْلِهِ، مِثْلُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ مَاءُ الْمَطَرِ، أَوْ يَكُونَ فِي نَهْرٍ جَارٍ، فَتَمُرُّ عَلَيْهِ جِرْيَاتُ النَّهْرِ، فَكُلُّ جِرْيَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهِ غَسْلَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَبَّهُ آدَمِيٌّ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَإِنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ رَاكِدٍ نَجَّسَهُ وَلَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا اُحْتُسِبَ بِوَضْعِهِ فِيهِ وَمُرُورِ الْمَاءِ عَلَى أَجْزَائِهِ غَسْلَةً، فَإِنْ خَضْخَضَهُ فِي الْمَاءِ وَحَرَّكَهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ عَلَيْهِ أَجْزَاءٌ غَيْرُ الَّتِي كَانَتْ مُلَاقِيَةً لَهُ، اُحْتُسِبَ بِذَلِكَ غَسْلَةً ثَانِيَةً، كَمَا لَوْ مَرَّتْ عَلَيْهِ جِرْيَاتٌ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي.
وَإِنْ كَانَ الْمَغْسُولُ إنَاءً فَطُرِحَ فِيهِ الْمَاءُ، لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ غَسْلَةٌ حَتَّى يُفْرِغَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِي غَسْلِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسَعُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا، فَمَلَأَهُ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ إدَارَةَ الْمَاءِ فِيهِ تَجْرِي مَجْرَى الْغَسَلَاتِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ تَمُرُّ عَلَيْهَا جِرْيَاتٌ مِنْ الْمَاءِ غَيْرُ الَّتِي كَانَتْ مُلَاقِيَةً لَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَرَّتْ عَلَيْهَا جِرْيَاتٌ مِنْ مَاءٍ جَارٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَكُونُ غَسْلُهُ إلَّا بِتَفْرِيغِهِ مِنْهُ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ الْمَغْسُولُ جِسْمًا تَدْخُلُ فِيهِ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ، لَمْ يُحْتَسَبْ بِرَفْعِهِ مِنْ الْمَاءِ غَسْلَةً، إلَّا بَعْدَ عَصْرِهِ، وَعَصْرِ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَإِنْ كَانَ بِسَاطًا ثَقِيلًا أَوْ زِلِّيًّا فَعَصْرُهُ بِتَقْلِيبِهِ وَدَقِّهِ.
[فَصْلٌ مَا أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ]
(٦٠) فَصْلٌ: مَا أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ، إنْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا بِالنَّجَاسَةِ، أَوْ قَبْلَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ مَاءٌ قَلِيلٌ لَاقَى مَحَلًّا نَجِسًا لَمْ يُطَهِّرْهُ، فَكَانَ نَجِسًا، كَمَا لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ. وَإِنْ انْفَصَلَ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ مِنْ الْغَسْلَةِ الَّتِي طَهُرَ بِهَا الْمَحَلُّ، فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ أَرْضًا فَهُوَ طَاهِرٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُصَبَّ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبٌ مِنْ مَاءٍ، لِيُطَهِّرَ الْأَرْضَ الَّتِي بَالَ عَلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ الْمُنْفَصِلُ نَجِسًا لَنَجَّسَ بِهِ مَا انْتَشَرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، فَتَكْثُرُ النَّجَاسَةُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَرْضِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ.
وَهُوَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْ مَحَلٍّ مَحْكُومٍ بِطَهَارَتِهِ، فَكَانَ طَاهِرًا، كَالْغَسْلَةِ الثَّامِنَةِ، وَأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ وَالْمُتَّصِلَ طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ قَلِيلٌ، لَاقَى مَحَلًّا نَجِسًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُطَهِّرْهَا. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنَّمَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ قَدْ نَشِفَتْ أَعْيَانُ الْبَوْلَةِ، فَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانُهَا قَائِمَةً، فَجَرَى الْمَاءُ عَلَيْهَا، طَهَّرَهَا.
وَفِي الْمُنْفَصِلِ رِوَايَتَانِ، كَالْمُنْفَصِلِ عَنْ غَيْرِ الْأَرْضِ. قَالَ: وَكَوْنُهُ نَجِسًا أَصَحُّ فِي كَلَامِهِ. وَالْأَوْلَى الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِغَسْلِ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ عَقِيبَ بَوْلِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ نُشَافَهَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute