[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَمَا أَخَذُوا فِي حَالَ امْتِنَاعهمْ مِنْ زَكَاةٍ]
(٧٠٧٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَا أَخَذُوا فِي حَالِ امْتِنَاعِهِمْ؛ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ خَرَاجٍ، لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِمْ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ، فَجَبَوْا الْخَرَاجَ وَالزَّكَاةَ وَالْجِزْيَةَ، وَأَقَامُوا الْحُدُودَ، وَقَعَ ذَلِكَ مَوْقِعَهُ، فَإِذَا ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ بَعْدُ عَلَى الْبَلَدِ، وَظَفِرُوا بِأَهْلِ الْبَغْيِ، لَمْ يُطَالَبُوا بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَوْهُ، وَلَمْ يُرْجَعْ بِهِ عَلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ. رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْخَوَارِجِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: عَلَى مَنْ أَخَذُوا مِنْهُ الزَّكَاةَ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ صَحِيحَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهَا آحَادُ الرَّعِيَّةِ. وَلَنَا، أَنَّ عَلِيًّا، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَوْهُ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَتَاهُ سَاعِي نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ، دَفَعَ إلَيْهِ زَكَاتَهُ. وَكَذَلِكَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ. وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِسَابِ بِهَا ضَرَرًا عَظِيمًا، وَمَشَقَّةً كَثِيرَةً، فَإِنَّهُمْ قَدْ يَغْلِبُونَ عَلَى الْبِلَادِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ، فَلَوْ لَمْ يُحْتَسَبْ بِمَا أَخَذُوهُ، أَدَّى إلَى ثِنَا الصَّدَقَاتِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ كُلِّهَا. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِذَا ذَكَرَ أَرْبَابُ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُمْ قَدْ أَخَذُوا صَدَقَاتِهِمْ، قُبِلَ قَوْلُهُمْ بِغَيْرِ يَمِينٍ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ. وَإِنْ ادَّعَى أَهْلُ الذِّمَّةِ دَفْعَ جِزْيَتِهِمْ، لَمْ تُقْبَلْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَأْمُونِينَ، وَلِأَنَّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ عِوَضٌ، وَلَيْسَ بِمُوَاسَاةٍ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ، كَأُجْرَةِ الدَّارِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُمْ إذَا مَضَى الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبُغَاةَ لَا يَدَعُونَ الْجِزْيَةَ لَهُمْ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُمْ، وَلِأَنَّهُ إذَا مَضَى لِذَلِكَ سُنُونَ كَثِيرَةٌ، شَقَّ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى كُلِّ عَامٍ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَغْرِيمِهِمْ الْجِزْيَةَ مَرَّتَيْنِ. وَإِنْ ادَّعَى مَنْ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ دَفْعَهُ إلَيْهِمْ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى مُسْلِمٍ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ كَالزَّكَاةِ. وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ، فَأَشْبَهَ الْجِزْيَةَ. وَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ ذِمِّيًّا، فَهُوَ كَالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَلَى غَيْرِ مُسْلِمٍ، فَهُوَ كَالْجِزْيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْخَرَاجَيْنِ، فَأَشْبَهَ الْجِزْيَةَ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ: لَا يَنْقَضِ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إلَّا مَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ]
(٧٠٧٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ، إلَّا مَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ) يَعْنِي إذَا نَصَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ قَاضِيًا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْعَدْلِ، يَنْفُذُ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا يَنْفُذُ مِنْ أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَيُرَدُّ مِنْهُ مَا يُرَدُّ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَمْوَالَهُمْ، لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute