أَخْرَجَ زَكَاةَ الْمَوْجُودِ كُلِّهِ، وَلَمْ يُتْرَكْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تُرِك لَهُمْ فِي الثَّمَرَةِ شَيْءٌ لِكَوْنِ النُّفُوسِ تَتُوقُ إلَى أَكْلِهَا رَطْبَةً، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهِ، وَفِي الزَّرْعِ إنَّمَا يُؤْكَلُ شَيْءٌ يَسِيرٌ، لَا وَقْعَ لَهُ.
[فَصْلُ لَا يُخْرَصُ الزَّيْتُونُ وَلَا غَيْرُ النَّخْلَ وَالْكَرْمِ]
(١٨٥١) فَصْلٌ: وَلَا يُخْرَصُ الزَّيْتُونُ، وَلَا غَيْرُ النَّخْلَ وَالْكَرْمِ؛ لِأَنَّ حَبَّهُ مُتَفَرِّقٌ فِي شَجَرِهِ، مَسْتُورٌ بِوَرَقِهِ، وَلَا حَاجَةَ بِأَهْلِهِ إلَى أَكْلِهِ، بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، فَإِنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ مُجْتَمِعَةٌ فِي عُذُوقِهِ، وَالْعِنَبِ فِي عَنَاقِيدِهِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ الْخَرْصُ عَلَيْهِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى أَكْلِهِمَا فِي حَالِ رُطُوبَتِهِمَا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ: يُخْرَصُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَيُخْرَصُ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ.
وَلَنَا: أَنَّهُ لَا نَصَّ فِي خَرْصِهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ.
[فَصْلُ وَقْتُ الْإِخْرَاجِ لِزَكَاةِ الزُّرُوع]
(١٨٥٢) فَصْلٌ: وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ لِلزَّكَاةِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ وَالْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ الْكَمَالِ وَحَالُ الِادِّخَارِ. وَالْمُؤْنَةُ الَّتِي تَلْزَمُ الثَّمَرَةَ إلَى حِينِ الْإِخْرَاجِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ كَالْمَاشِيَةِ، وَمُؤْنَةُ الْمَاشِيَةِ وَحِفْظُهَا وَرَعْيُهَا، وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا إلَى حِينَ الْإِخْرَاجِ، عَلَى رَبِّهَا، كَذَا هَاهُنَا. فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ قَبْلَ التَّجْفِيفِ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَيَرُدُّهُ إنْ كَانَ رَطْبًا بِحَالِهِ، وَإِنْ تَلِفَ رَدَّ مِثْلَهُ، وَإِنْ جَفَّفَهُ وَكَانَ قَدْرَ الزَّكَاةِ، فَقَدْ اسْتَوْفَى الْوَاجِبَ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ كَانَ زَائِدًا رَدَّ الْفَضْلَ. وَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ لَهَا رَبَّ الْمَالِ، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَزِمَهُ إخْرَاجُ الْفَضْلِ بَعْدَ التَّجْفِيفِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ غَيْرَ الْفَرْضِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ الْمَاشِيَةِ عَنْ الْكِبَارِ.
[فَصْلُ قَطْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ كَمَالِهَا خَوْفًا مِنْ الْعَطَشِ أَوْ لِضَعْفِ الْجِمَارِ]
(١٨٥٣) فَصْلٌ: وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى قَطْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ كَمَالِهَا، خَوْفًا مِنْ الْعَطَشِ، أَوْ لِضَعْفِ الْجِمَارِ، جَازَ قَطْعُهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ، فَلَا يُكَلَّفُ الْإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُهْلِكُ أَصْلَ مَالِهِ، وَلِأَنَّ حِفْظَ الْأَصْلِ أَحْفَظُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ حِفْظِ الثَّمَرَةِ، لِأَنَّ حَقَّهُمْ يَتَكَرَّرُ بِحِفْظِهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي النَّخْلِ. ثُمَّ إنْ كَانَ يَكْفِي تَجْفِيفُ الثَّمَرَةِ دُونَ قَطْعِ جَمِيعِهَا، جَفَّفَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكْفِ إلَّا قَطْعُ جَمِيعِهَا، جَازَ. وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ قَطْعَ الثَّمَرَةَ لِتَحْسِينِ الْبَاقِي مِنْهَا جَازَ.
وَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ أَنْ يُقَاسِمَ رَبَّ الْمَالِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْجَدَادِ بِالْخَرْصِ، وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُمْ نَخْلَةً مُفْرَدَةً، وَيَأْخُذَ ثَمَرَتَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَجُذَّهَا، وَيُقَاسِمَهُ إيَّاهَا بِالْكَيْلِ، وَيَقْسِمَ الثَّمَرَةَ فِي الْفُقَرَاءِ، وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute