عَلَى مَالِ وَلَدِ ابْنِهِ، وَشَفَقَتُهُ قَاصِرَةٌ عَنْ شَفَقَةِ الْأَبِ، وَيُحْجَبُ بِهِ فِي الْمِيرَاثِ، وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ.
وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ لَيْسَ لَهُمْ الْأَخْذُ بِطَرِيقِ التَّنْبِيه؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الْأَخْذُ فِي حَقِّ الْأُمِّ وَالْجَدِّ، مَعَ مُشَارَكَتِهِمَا لِلْأَبِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي، فَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي ذَلِكَ أَوْلَى.
[مَسْأَلَة لَا يَحِلُّ لِوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَلَا لِمُهْدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَدِيَّتِهِ]
(٤٤٨١) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَلَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَلَا لِمُهْدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَدِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يُعَوَّضْ عَنْهَا. وَأَرَادَ مَنْ عَدَا الْأَبَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ لِلْأَبِ الرُّجُوعَ، بِقَوْلِهِ: " أُمِرَ بِرَدِّهِ ". فَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ وَلَا هَدِيَّتِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: مَنْ وَهَبَ لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ، مَا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا، وَمِنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ، مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، فِي " سُنَنِهِ "
وَبِقَوْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ عَنْهَا عِوَضٌ، فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، كَالْعَارِيَّةِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ، كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ. وَفِي لَفْظٍ: كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ إنَّهُ لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً، فَيَرْجِعَ فِيهَا، إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَرْجِعُ وَاهِبٌ فِي هِبَتِهِ، إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» . وَلِأَنَّهُ وَاهِبٌ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ، فَلَمْ يَرْجِعْ فِي هِبَتِهِ، كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ. وَأَحَادِيثُنَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَوْلَى. وَقَوْلُ عُمَرَ، قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ. وَأَمَّا الْعَارِيَّةُ فَإِنَّمَا هِيَ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَلَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ فِيهَا
فَإِنَّ قَبَضَهَا بِاسْتِيفَائِهَا، فَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا مَا اسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْعَارِيَّةُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا.
(٤٤٨٢) فَصْلٌ: فَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ مَا وَهَبَهُ الْإِنْسَانُ لِذَوِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ غَيْرِ وَلَدِهِ، لَا رُجُوعَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ. وَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَا هَؤُلَاءِ، فَعِنْدنَا لَا يَرْجِعُ إلَّا الْوَالِدُ، وَعِنْدَهُمْ لَا يَرْجِعُ إلَّا الْأَجْنَبِيُّ. فَأَمَّا هِبَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا رُجُوعَ لَهَا فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute