عَادَتُهُ النَّوْمُ فِي الْأَكْسِيَةِ وَالْبِسَاطِ، فَعَلَيْهِ لَهَا لِنَوْمِهَا مَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهِ، وَلِجُلُوسِهَا بِالنَّهَارِ الْبِسَاطُ، وَالزُّلِّي، وَالْحَصِيرُ الرَّفِيعُ أَوْ الْخَشِنُ، الْمُوسِرُ عَلَى حَسَبِ يَسَارِهِ، وَالْمُعْسِرُ عَلَى قَدْرِ إعْسَارِهِ، عَلَى حَسَبِ الْعَوَائِدِ.
فَصْلٌ: وَيَجِبُ لَهَا مَسْكَنٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] . فَإِذَا وَجَبَتْ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ، فَلِلَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ أَوْلَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩] . وَمِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَسْكَنٍ، وَلِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْمَسْكَنِ لِلِاسْتِتَارِ عَنْ الْعُيُونِ، وَفِي التَّصَرُّفِ، وَالِاسْتِمْتَاعِ، وَحِفْظِ الْمَتَاعِ، وَيَكُونُ الْمَسْكَنُ عَلَى قَدْرِ يَسَارِهِمَا وَإِعْسَارِهِمَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] . وَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ لَهَا لِمَصْلَحَتِهَا فِي الدَّوَامِ، فَجَرَى مَجْرَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ.
[فَصْل كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَخْدِمُ نَفْسَهَا هَلْ يَجِبُ لَهَا خَادِمٌ]
(٦٤٦٤) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَخْدِمُ نَفْسَهَا؛ لِكَوْنِهَا مِنْ ذَوِي الْأَقْدَارِ، أَوْ مَرِيضَةً، وَجَبَ لَهَا خَادِمٌ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩] . وَمِنْ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، أَنْ يُقِيمَ لَهَا خَادِمًا، وَلِأَنَّهُ مِمَّا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدَّوَامِ، فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ. وَلَا يَجِبُ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ خِدْمَتُهَا فِي نَفْسِهَا، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِوَاحِدٍ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ إلَّا أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَنَحْوَهُ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إذَا احْتَمَلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، فَرَضَ لِخَادِمَيْنِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْخَادِمَ الْوَاحِدَ يَكْفِيهَا لِنَفْسِهَا، وَالزِّيَادَةُ تُرَادُ لِحِفْظِ مِلْكِهَا، أَوْ لِلتَّجَمُّلِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا يَكُونُ الْخَادِمُ إلَّا مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا، إمَّا امْرَأَةٌ، وَإِمَّا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٌ؛ لِأَنَّ الْخَادِمَ يَلْزَمُ الْمَخْدُومَ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، فَلَا يَسْلَمُ مِنْ النَّظَرِ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ مِنْهُمَا جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَهُمْ مُبَاحٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ الصَّحِيحَ إبَاحَةُ النَّظَرِ لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute