قَالَ الْقَاضِي: يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَ جِنْسَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَنَوْعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابًا عَرَّفَ لِفَافَتَهَا وَجِنْسَهَا، وَيُعَرِّفُ قَدْرَهَا بِالْكَيْلِ، وَبِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدَدِ، أَوْ الذَّرْعِ، وَيُعَرِّفُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا، هَلْ هُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، أُنْشُوطَةٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَيُعَرِّفُ صِمَامَ الْقَارُورَةِ الَّذِي تَدْخُلُ رَأْسَهَا، وَعِفَاصَهَا الَّذِي تَلْبَسُهُ.
[فَصْلٌ يُشْهِدُ عَلَى اللُّقَطَةِ حِين يَجِدُهَا]
(٤٥١١) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا حِينَ يَجِدُهَا. قَالَ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أُحِبُّ أَنْ يَمَسّهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا ضَمِنَهَا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ، أَوْ ذَوِي عَدْلٍ» . وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْهِدْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ. وَلَنَا خَبَرُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنَّهُ أَمَرَهُمَا بِالتَّعْرِيفِ دُونَ الْإِشْهَادِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِيَّمَا وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حُكْمِ اللُّقَطَةِ فَلَمْ يَكُنْ لِيُخِلَّ بِذَكَرِ الْوَاجِبِ فِيهَا، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ عِيَاضٍ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَلِأَنَّهُ أَخْذُ أَمَانَةٍ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْإِشْهَادِ، كَالْوَدِيعَةِ
وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ إذَا حَفِظَهَا وَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ، وَفَائِدَةُ الْإِشْهَادِ صِيَانَةُ نَفْسِهِ عَنْ الطَّمَعِ فِيهَا، وَكَتْمُهَا وَحِفْظُهَا مِنْ وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ، وَمِنْ غُرَمَائِهِ إنْ أَفْلَسَ. وَإِذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا، لَمْ يَذْكُرْ لِلشُّهُودِ صِفَاتِهَا، لِئَلَّا يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فَيَدَّعِيَهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَيَذْكُرَ صِفَاتِهَا، كَمَا قُلْنَا فِي التَّعْرِيفِ، وَلَكِنْ يَذْكُرُ لِلشُّهُودِ مَا يَذْكُرُهُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَقَدْ سَأَلَهُ: إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا هَلْ يُبَيِّنُ كَمْ هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَقُولُ: قَدْ أَصَبْت لُقَطَةً. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ صِفَاتِهَا؛ لِيَكُونَ أَثْبَتَ لَهَا مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهَا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى حِفْظِهَا بِقَلْبِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ عُرْضَةُ النِّسْيَانِ.
[مَسْأَلَة جَاءَ رَبُّ اللُّقَطَةِ فَوَصَفَهَا لَهُ]
(٤٥١٢) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَوَصَفَهَا لَهُ، دُفِعَتْ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ) يَعْنِي إذَا وَصَفَهَا بِصِفَاتِهَا الْمَذْكُورَةِ، دَفَعَهَا إلَيْهِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ أَوْ لَمْ يَغْلِبْ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَدَاوُد، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ. قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَأَخَذَ كَفِيلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute