(١٣٥١)
فَصْلٌ: وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ حُكْمُهُمَا فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْقِنِّ، لِبَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِمَا. وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، فَإِنَّ حَقَّ سَيِّدِهِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَسْقُطُ عَنْ الْعَبْدِ. (١٣٥٢) فَصْلٌ: إذَا أَجْمَعَ الْمُسَافِرُ إقَامَةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ، وَلَمْ يُرِدْ اسْتِيطَانَ الْبَلَدِ كَطَلَبِ الْعِلْمِ، أَوْ الرِّبَاطِ، أَوْ التَّاجِرِ الَّذِي يُقِيمُ لِبَيْعِ مَتَاعِهِ، أَوْ مُشْتَرِي شَيْءٍ لَا يُنْجَزُ إلَّا فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَهَا إلَّا عَلَى الْخَمْسَةِ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُمْ.
وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَوْطِنٍ، وَالِاسْتِيطَانُ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ فِي هَذَا الْبَلَدِ عَلَى الدَّوَامِ، فَأَشْبَهَ أَهْلَ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَهَا صَيْفًا وَيَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ لَا يُجَمِّعُونَ وَلَا يُشَرِّقُونَ، أَيْ لَا يُصَلُّونَ جُمُعَةً وَلَا عِيدًا. فَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ، لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ الَّذِي هُوَ مِنْ شَرْطِ الِانْعِقَادِ. (١٣٥٣)
فَصْلٌ: وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهَا مَطَرٌ يَبُلُّ الثِّيَابَ، أَوْ وَحَلٌ يَشُقُّ الْمَشْيُ إلَيْهَا فِيهِ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْعَلُ الْمَطَرَ عُذْرًا فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَمَرَ مُؤَذِّنَهُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَقَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ. فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ إلَيْهَا فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَلِأَنَّهُ عُذْرٌ فِي الْجَمَاعَةِ، فَكَانَ عُذْرًا فِي الْجُمُعَةِ، كَالْمَرَضِ، وَتَسْقُطُ الْجُمُعَةُ بِكُلِّ عُذْرٍ يُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَعْذَارَ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا الْمَطَرَ هَاهُنَا لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute