وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَا ذِكْرِ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلْفِعْلِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ ذِكْرُهُ، كَالزَّمَانِ.
وَإِنْ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سَرِقَةِ نِصَابٍ مِنْ الْحِرْزِ، وَذِكْرِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَصِفَةِ السَّرِقَةِ. وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَذْفِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَقْذُوفِ، وَصِفَةِ الْقَذْفِ. وَإِنْ شَهِدَ بِمَالٍ، احْتَاجَ إلَى تَحْرِيرِهِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا فِي الدَّعْوَى. وَإِنْ تَرَكَ الشَّاهِدُ ذِكْرَ شَيْءٍ يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ، سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، كَمَا سَأَلَ شُرَيْحٌ الشَّاهِدَ الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ اتَّكَأَ عَلَيْهِ بِمِرْفَقِهِ حَتَّى مَاتَ. وَإِنْ حَرَّرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ، أَوْ حَرَّرَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ شَهَادَتَهُ، وَشَهِدَ بِهَا، وَقَالَ الْآخَرُ: أَشْهَدُ بِمِثْلِ ذَلِكَ. أَوْ قَالَ حِينَ حَرَّرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ: أَشْهَدُ بِذَلِكَ، أَوْ بِهَذَا. أَجْزَأَهُ.
[مَسْأَلَة جَاءَ أَرْبَعَةٌ مُتَفَرِّقُونَ وَالْحَاكِمُ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ]
(٨٤٥٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ جَاءَ أَرْبَعَةٌ مُتَفَرِّقُونَ، وَالْحَاكِمُ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، لَمْ يَقُمْ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ. وَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ، كَانُوا قَذَفَةً، وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَتِهَا هَاهُنَا.
[مَسْأَلَة الشُّهُودَ إذَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ أَدَائِهَا]
(٨٤٥٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا بِجَرْحٍ أَوْ قَتْلٍ، ثُمَّ رَجَعَا، فَقَالَا: عَمَدْنَا، اُقْتُصَّ مِنْهُمَا. وَإِنْ قَالَا: أَخْطَأْنَا. غَرِمَا الدِّيَةَ، أَوْ أَرْشَ الْجَرْحِ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الشُّهُودَ إذَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ أَدَائِهَا، لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَرْجِعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا. فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، أَنَّهُ شَذَّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ: يُحْكَمُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ أُدِّيَتْ، فَلَا تَبْطُلُ بِرُجُوعِ مَنْ شَهِدَ بِهَا، كَمَا لَوْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ. وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطُ الْحُكْمِ، فَإِذَا زَالَتْ قَبْلَهُ، لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ فَسَقَا؛ وَلِأَنَّ رُجُوعَهُمَا يَظْهَرُ بِهِ كَذِبُهُمَا، فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِقَتْلِ رَجُلٍ، ثُمَّ عُلِمَ حَيَاتُهُ، وَلِأَنَّهُ زَالَ ظَنُّهُ فِي أَنَّ مَا شُهِدَ بِهِ حَقٌّ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ، كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، وَفَارَقَ مَا بَعْدَ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ تَمَّ بِشَرْطِهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُزِيلُ مَا حُكِمَ بِهِ، كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ.
الْحَالُ الثَّانِي، أَنْ يَرْجِعَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، فَيُنْظَرَ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ عُقُوبَةً، كَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، لَمْ يَجُزْ اسْتِيفَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَرُجُوعُهُمَا مِنْ أَعْظَمِ الشُّبُهَاتِ، وَلِأَنَّ الْمَحْكُومَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute