احْتَجُّوا بِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، لَا نِزَاعَ بَيْنَنَا فِيهِ، وَأَبُو حُمَيْدٍ - رَاوِي حَدِيثِهِمْ - بَيَّنَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ افْتِرَاشَهُ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ تَوَرَّكَ فِي الثَّانِي، فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِهِ وَبَيَانِهِ.
فَأَمَّا صِفَةُ التَّوَرُّكِ، فَقَالَ الْخِرَقِيِّ: يَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَيَجْعَلُ بَاطِنَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي مِثْلَ ذَلِكَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: «جَلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَلْيَتَيْهِ، وَجَعَلَ بَطْنَ قَدَمِهِ عِنْدَ مَأْبِضِ الْيُمْنَى، وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى» .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ فِي صِفَتِهِ، قَالَ: رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَتَوَرَّكُ فِي الرَّابِعَةِ فِي التَّشَهُّدِ، فَيُدْخِلُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، يُخْرِجُهَا مِنْ تَحْتِ سَاقِهِ الْأَيْمَنِ، وَلَا يَقْعُدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَيَفْتَحُ أَصَابِعَهُ، وَيُنَحِّي عَجُزَهُ كُلَّهُ، وَيَسْتَقْبِلُ بِأَصَابِعِهِ الْيُمْنَى الْقِبْلَةَ، وَرُكْبَتُهُ الْيُمْنَى عَلَى الْأَرْضِ مُلْزَقَةٌ. وَهَكَذَا ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَإِنَّ أَبَا حُمَيْدٍ، قَالَ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إلَى الْأَرْضِ، وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَيُّهُمَا فُعِلَ فَحَسَنٌ.
[فَصْلٌ التَّشَهُّدُ وَالْجُلُوسُ]
(٧٥٢) فَصْلٌ: وَهَذَا التَّشَهُّدُ وَالْجُلُوسُ لَهُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ عُمَرُ، وَابْنُهُ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَلَمْ يُوجِبْهُ مَالِكٌ، وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ الْجُلُوسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ. وَتَعَلُّقًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَلِّمْهُ الْأَعْرَابِيَّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ فَقَالَ: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ.» وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَفَعَلَهُ، وَدَاوَمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نَقُولُ، قَبْلَ أَنْ يُفْرَضُ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ. وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. إلَى آخِرِهِ»
وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ فُرِضَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَفْرُوضًا، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَكَ تَعْلِيمَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ أَسَاءَ فِي تَرْكِهِ.
[مَسْأَلَة التَّوَرُّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يُسَلَّمُ فِيهِ]
(٧٥٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُتَوَرَّكُ إلَّا فِي صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ جَمِيعَ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسَنُّ التَّوَرُّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يُسَلِّمُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَانِيًا، كَتَشَهُّدِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ يُسَنُّ تَطْوِيلُهُ، فَسُنَّ فِيهِ التَّوَرُّكُ كَالثَّانِي. وَلَنَا، حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute