أَحَدُهُمَا، أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْقَوَدِ، كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ، أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ، أَوْ إتْلَافِ مَالٍ، فَيَكُونُ هَدْرًا، لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ مَالٌ فِي مَالِهِ.
الثَّانِي، أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى مَا دُونَهَا، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، فَالْحَقُّ لِلسَّيِّدِ، فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَكَذَلِكَ إنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ. وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصَّ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ الْجِنَايَةَ عَلَى عَبْدِهِ، فَيَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ لِلزَّجْرِ، وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَى زَجْرِهِ عَنْ سَيِّدِهِ. فَإِنْ اقْتَصَّ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَقَضَاءً عَنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا بِاخْتِيَارِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ
وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ، فَلِلْوَرَثَةِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ، وَلَيْسَ لَهُمْ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ، أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِمْ، فَكَانَ لَهُمْ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ. وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ، كَالْمَذْهَبَيْنِ. فَإِنْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ، سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَهَلْ يَثْبُتُ لِغَيْرِ الْعَافِي نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ جَنَّى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ عَلَى عَبْدٍ لِسَيِّدِهِ]
(٣٣٤٤) فَصْلٌ: وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ عَلَى عَبْدٍ لِسَيِّدِهِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ لَا يَكُونَ مَرْهُونًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِ سَيِّدِهِ، لَهُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ مُوجِبَةً لَهُ، وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، ذَهَبَتْ هَدْرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ. الْحَالُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ رَهْنًا، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ رَهْنًا عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ، أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ وَالْجِنَايَةُ مُوجِبَةٌ لِلْقِصَاصِ، فَلِسَيِّدِهِ الْقِصَاصُ.
فَإِنْ اقْتَصَّ، بَطَلَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ، فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، وَكَانَا رَهْنًا بِحَقٍّ وَاحِدٍ فَجِنَايَتُهُ، هَدْرٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا، بَقِيَ الْحَقُّ مُتَعَلِّقًا بِالْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونًا بِحَقِّ مُفْرَدٍ، فَفِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ؛
(٣٣٤٥) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، أَنْ يَكُونَ الْحَقَّانِ سَوَاءً، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءً، فَتَكُونَ الْجِنَايَةُ هَدْرًا، سَوَاءٌ كَانَ الْحَقَّانِ مِنْ جِنْسَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَالْآخَرُ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِينَارٍ، أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ.
(٣٣٤٦) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، أَنْ يَخْتَلِفَ الْحَقَّانِ وَتَتَّفِقَ الْقِيمَتَانِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَدَيْنُ الْآخَرِ مِائَتَيْنِ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ، فَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ، لَمْ يُنْقَلْ إلَى دَيْنِ الْمَقْتُولِ، لِعَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute