عَلَى الْأَحْرَارِ، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ تَجِبُ عَنْ الْقِيمَةِ، وَهِيَ الْمَالُ بِخِلَافِ السَّوْمِ وَالتِّجَارَة، فَإِنَّهُمَا يَجِبَانِ بِسَبَبِ مَالٍ وَاحِدٍ، مَتَى كَانَ عَبِيدُ التِّجَارَةِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُمْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُمْ مِنْهَا. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ. وَلَنَا، أَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ، وَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَكَذَلِكَ الْفِطْرَةُ.
[فَصْلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ مَمْلُوكِهِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ الَّذِي تُعْلَمُ حَيَاتُهُ]
(١٩٧٢) فَصْلٌ: وَتَجِبُ فِطْرَةُ الْعَبْدِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ الَّذِي تُعْلَمُ حَيَاتُهُ، وَالْآبِقِ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْمَرْهُونِ، وَالْمَغْصُوبِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ مَمْلُوكِهِ الْحَاضِرِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَالْآبِقِ، وَعَبِيدِ التِّجَارَةِ. فَأَمَّا الْغَائِبُ، فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ حَيٌّ، سَوَاءٌ رَجَا رَجْعَتَهُ أَوْ أَيِسَ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مَحْبُوسًا كَالْأَسِيرِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ الرَّقِيقِ، غَائِبِهِمْ وَحَاضِرِهِمْ. لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمْ، فَوَجَبَتْ فِطْرَتُهُمْ عَلَيْهِ كَالْحَاضِرِينَ. وَمِمَّنْ أَوْجَبَ فِطْرَةَ الْآبِقِ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَأَوْجَبَهَا الزُّهْرِيُّ إذَا عُلِمَ مَكَانُهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَمَالِكٌ إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً. وَلَمْ يُوجِبْهَا عَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ، فَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ كَالْمَرْأَةِ النَّاشِزِ. وَلَنَا، أَنَّهُ مَالٌ لَهُ، فَوَجَبَتْ زَكَاتُهُ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ، كَمَالِ التِّجَارَةَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى يَدِهِ كَزَكَاةِ الدَّيْنِ وَالْمَغْصُوبِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ تَابِعَةً لِلنَّفَقَةِ، وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ مَعَ الْغَيْبَةِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ رَدَّ الْآبِقَ رَجَعَ بِنَفَقَتِهِ. وَأَمَّا مَنْ شُكَّ فِي حَيَاتِهِ مِنْهُمْ، وَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُ، لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ فِي كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، فَلَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ كَالْمَيِّتِ. فَإِنْ مَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ، ثُمَّ عَلِمَ حَيَاتَهُ، لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ بَانَ لَهُ وُجُودُ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ لِمَا مَضَى، كَمَا لَوْ سَمِعَ بِهَلَاكِ مَالِهِ الْغَائِبِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ سَالِمًا. وَالْحُكْمُ فِي الْقَرِيبِ الْغَائِبِ، كَالْحُكْمِ فِي الْبَعِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ تَجِبُ فِطْرَتُهُمْ مَعَ الْحُضُورِ، فَكَذَلِكَ مَعَ الْغَيْبَةِ كَالْعَبِيدِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ فِطْرَتُهُمْ مَعَ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَعْثُ نَفَقَتهمْ إلَيْهِمْ، وَلَا يَرْجِعُونَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute