النَّاسُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِهَذَا الْبَيْعِ. وَلِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ، لَمْ يُؤْمَنْ انْقِطَاعُهُ وَتَلَفُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ قَدَّرَهُ بِمِكْيَالِ مُعَيَّنٍ، أَوْ صَنْجَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ أَحْضَرَ خِرْقَةً، وَقَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك فِي مِثْلِ هَذِهِ.
[فَصْلٌ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَوْجُودًا حَالَ السَّلَم]
(٣٢٢٨) فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَوْجُودًا حَالِ السَّلَمِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِي الرُّطَبِ فِي أَوَانِ الشِّتَاءِ، وَفِي كُلِّ مَعْدُومٍ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمَحَلِّ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ جِنْسُهُ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ زَمَنٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلْمُسْلِمِ فِيهِ لِمَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهُ فِيهِ كَالْمَحِلِّ وَلَنَا «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَسَلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» . وَلَمْ يَذْكُرْ الْوُجُودَ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَذَكَرَهُ، وَلَنَهَاهُمْ عَنْ السَّلَفِ سَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ انْقِطَاعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْسَطِ السَّنَةِ، وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَيُوجَدُ فِي مَحِلِّهِ غَالِبًا، فَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ، كَالْمَوْجُودِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ الْوُجُودَ، إذْ لَوْ لَزِمَ أَفْضَى إلَى أَنْ تَكُونَ آجَالُ السَّلَمِ مَجْهُولَةً، وَالْمَحِلُّ مَا جَعَلَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ مَحِلًّا، وَهَا هُنَا لَمْ يَجْعَلَاهُ.
[فَصْلٌ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحِلّ]
(٣٢٢٩) فَصْلٌ: إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحِلِّ، إمَّا لِغَيْبَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ عَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ، حَتَّى عَدِمَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، أَوْ لَمْ تَحْمِلْ الثِّمَارُ تِلْكَ السَّنَةَ، فَالْمُسْلِمُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ فَيُطَالِبَ بِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا قِيمَتَهُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ؛ لِكَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ مِنْهَا، فَإِذَا هَلَكَتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَهَلَكَتْ. وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَلَا يَصِحُّ دَعْوَى التَّعْيِينِ فِي هَذَا الْعَامِ؛ فَإِنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى دَفْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهَا، جَازَ، وَإِنَّمَا أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهِ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ، لِتَمْكِينِهِ مِنْ دَفْعِ مَا هُوَ بِصِفَةِ حَقِّهِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ مِنْ ثَمَرَةِ نَفْسِهِ إذَا وَجَدَهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، وَلَيْسَتْ مُتَعَيِّنَةً. وَإِنْ تَعَذَّرَ الْبَعْضُ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ فِي الْكُلِّ، وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، وَبَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ إلَى حِينِ الْإِمْكَانِ، وَيُطَالِبَ بِحَقِّهِ.
فَإِنْ أَحَبَّ الْفَسْخَ فِي الْمَفْقُودِ دُونَ الْمَوْجُودِ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ طَرَأَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ فِي الْكُلِّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ صُبْرَتَيْنِ فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إلَّا فِي الْكُلِّ، أَوْ يَصْبِرُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute