حَقُّهُ بِمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ، وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْقَاقِ ثَمَنِ الرَّهْنِ وَالِاخْتِصَاصِ بِهِ بَيْنَ كَوْنِ الرَّهْنِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ حَقِّهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ حَقُّهُ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ الْمَالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، فَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِهِ، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ.
[فَصْلٌ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتُلْفِ وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ وَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً]
(٣٤٠١) فَصْلٌ: وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ بَاعَهُ وَكِيلُهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتُلْفِ، وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ، وَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً، سَاوَى الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَرْشِ جِنَايَةِ الْمُفْلِسِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا آخَرَ، أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ، فَكَانَ أَوْلَى كَالْمُرْتَهِنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ شِرَاءِ مَالِ الْمُفْلِسِ، خَوْفًا مِنْ ضَيَاعِ أَمْوَالِهِمْ، فَتَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيهِ، وَيَقِلُّ ثَمَنُهُ، فَكَانَ تَقْدِيمُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ أَنْفَعَ لَهُمْ. وَهَذَا وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَلَنَا، أَنَّ هَذَا حَقٌّ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَلَمْ يُقَدَّمْ، كَاَلَّذِي جَنَى عَلَيْهِ الْمُفْلِسُ، وَفَارَقَ الْمُرْتَهِنَ، فَإِنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مُنْتَقَضٌ بِأَرْشِ جِنَايَةِ الْمُفْلِسِ، وَالثَّانِي مَصْلَحَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهَا. فَأَمَّا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَوْجُودًا، يُمْكِنُ رَدُّهُ، وَجَبَ رَدُّهُ، وَيَنْفَرِدُ بِهِ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ يَأْخُذُهَا، وَمَتَى بَاعَ الْعَدْلُ مَالَ الْمُفْلِسِ، أَوْ بَاعَ الرَّهْنَ وَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً، فَالْعُهْدَةُ، عَلَى الْمُفْلِسِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ بَعِيرًا بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُؤَجَّر]
(٣٤٠٢) فَصْلٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ بَعِيرًا بِعَيْنِهِ، أَوْ شَيْئًا غَيْرَهُمَا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُؤَجِّرُ فَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَالْمَنْفَعَةُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِهَا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا. فَإِنْ هَلَكَ الْبَعِيرُ، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ، قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ الْأُجْرَةِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا فِي الذِّمَّةِ أَوْ غَيْرَهُ، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُؤَجِّرُ، فَالْمُسْتَأْجِرُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. فَإِنْ آجَرَ دَارًا ثُمَّ أَفْلَسَ، فَاتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَيَبِيعُونَهَا مُسْتَأْجَرَةً، وَإِنْ اخْتَلَفُوا، قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ مِنْ التَّأْخِيرِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ يُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى تَأْخِيرِ الْبَيْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ.
[فَصْلٌ بَاعَ سِلْعَةً ثُمَّ أَفْلَسَ قَبْلَ تَقْبِيضِهَا]
(٣٤٠٣) فَصْلٌ: وَلَوْ بَاعَ سِلْعَةً، ثُمَّ أَفْلَسَ قَبْلَ تَقْبِيضِهَا، فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَهَا، وَثَبَتَ مِلْكُهُ فِيهَا، فَكَانَ أَحَقَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute