أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ، لِكَوْنِهِ شَهَادَةً مِنْ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَزُولُ بِهِ النِّزَاعُ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ، وَلِهَذَا يُسْمَعُ فِي الْمَجْهُولِ، وَيُقْضَى بِهِ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةَ. وَالثَّانِي، أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَالدَّعْوَى يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّقَةً بِالْحَالِ، وَالْإِقْرَارُ يُسْمَعُ ابْتِدَاءً. وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمْسِ، فَفِي سَمَاعِهَا وَجْهَانِ. وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسْمَعُ، وَيَقْضِي بِهِ؛ بِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ ادَّعَى أَمَةً أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَتْ أَنَّهَا ابْنَةُ أَمَتِهِ]
(٨٥٣٧) فَصْلٌ: وَإِنْ ادَّعَى أَمَةً أَنَّهَا لَهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً، فَشَهِدَتْ أَنَّهَا ابْنَةُ أَمَتِهِ، أَوْ ادَّعَى ثَمَرَةً، فَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا ثَمَرَةُ شَجَرَتِهِ، لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا، وَأَثْمَرَتْ الشَّجَرَةُ هَذِهِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ مِلْكِهِ إيَّاهَا. وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: وَلَدَتْهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ أَثْمَرَتْهَا فِي مِلْكِهِ حُكِمَ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ أَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَنَمَاءُ مِلْكِهِ مِلْكُهُ، مَا لَمْ يَرِدْ سَبَبٌ يَنْقُلُهُ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قُلْتُمْ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ، الصَّحِيحِ وَهَذِهِ شَهَادَةٌ بِمِلْكٍ سَابِقٍ قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ، أَنَّ النَّمَاءَ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ، فَإِثْبَاتُ مِلْكِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ، وَجَرَى مَجْرَى مَا لَوْ قَالَ: مَلَكْته مُنْذُ سَنَةٍ. وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ، فَإِنَّ مِلْكَهُ يَثْبُتُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي تَبَعًا لِلْحَالِ، يَكُونُ لَهُ النَّمَاءُ فِيمَا مَضَى، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هَاهُنَا شَهِدَتْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَهُوَ وِلَادَتُهَا، أَوْ وُجُودُهَا فِي مِلْكِهِ، فَقَوِيَتْ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَتْ بِالسَّبَبِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، فَقَالَتْ: أَقْرَضَهُ أَلْفًا، أَوْ بَاعَهُ. ثَبَتَ الْمِلْكُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ، فَمَعَ ذِكْرِهِ أَوْلَى.
وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ وَهَذَا الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ، وَأَنَّ هَذَا الطَّائِرَ مِنْ بَيْضَتِهِ، حُكِمَ لَهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ عَيْنُ الْقُطْنِ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ، وَالدَّقِيقَ أَجْزَاءُ الْحِنْطَةِ تَفَرَّقَتْ، وَالطَّيْرَ هُوَ أَجْزَاءُ الْبَيْضَةِ اسْتَحَالَ، فَكَأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَالَتْ: هَذَا غَزْلُهُ وَدَقِيقُهُ وَطَيْرُهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ وَالثَّمَرَةُ، فَإِنَّهُمَا غَيْرُ الْأُمِّ وَالشَّجَرَةِ. وَلَوْ شَهِدَ أَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَةَ مِنْ طَيْرِهِ، لَمْ يَحْكُم لَهُ بِهَا حَتَّى يَقُولَا: بَاضَهَا فِي مِلْكِهِ. لِأَنَّ الْبَيْضَةَ غَيْرُ الطَّيْرِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ نَمَائِهِ، فَهِيَ كَالْوَلَدِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْل إذَا كَانَتْ فِي يَدِ زَيْدٍ دَارٌ فَادَّعَاهَا عَمْرو وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ خَالِدٍ بِثَمَنٍ مُسَمًّى نَقَدَهُ إيَّاهُ]
(٨٥٣٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ فِي يَدِ زَيْدٍ دَارٌ، فَادَّعَاهَا عَمْرٌو، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ خَالِدٍ بِثَمَنٍ مُسَمًّى نَقَدَهُ إيَّاهُ، أَوْ أَنَّ خَالِدًا وَهَبَهُ تِلْكَ الدَّارَ، لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ بِهَذَا حَتَّى يُشْهِدَ أَنَّ خَالِدًا بَاعَهُ إيَّاهَا، أَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهَا، أَوْ يُشْهِدَ أَنَّهَا دَارُ عَمْرٍو اشْتَرَاهَا مِنْ خَالِدٍ، أَوْ يُشْهِدَ أَنَّهُ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ. وَإِنَّمَا لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute