عَلَى هَذَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْكَلَالَةُ مَنْ عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ:
وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ ... عَنْ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ
وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْإِكْلِيلِ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ وَلَا يَعْلُو عَلَيْهِ، فَكَأَنَّ الْوَرَثَةَ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ قَدْ أَحَاطُوا بِالْمَيِّتِ مِنْ حَوْلِهِ، لَا مِنْ طَرَفَيْهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ، كَإِحَاطَةِ الْإِكْلِيلِ بِالرَّأْسِ. فَأَمَّا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ فَهُمَا طَرَفَا الرَّجُلِ، فَإِذَا ذَهَبَا كَانَ بَقِيَّةُ النَّسَبِ كَلَالَةً. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَكَيْفَ بِأَطْرَافِي إذَا مَا شَتَمْتنِي ... وَمَا بَعْدَ شَتْمِ الْوَالِدَيْنِ صُلُوحُ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ نَفْسِهِ، الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ. يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَقِيلَ: الْكَلَالَةُ قَرَابَةُ الْأُمِّ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ الَّذِي أَنْشَدْنَاهُ، عَنَى أَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ الْمُلْكَ عَنْ آبَائِكُمْ لَا عَنْ أُمَّهَاتِكُمْ. وَيُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: الْمَيِّتُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ كَلَالَةٌ، وَيُسَمَّى وَارِثُهُ كَلَالَةً. وَالْآيَتَانِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلَالَةِ فِيهِمَا الْمَيِّتُ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ اسْمَ الْكَلَالَةِ يَقَعُ عَلَى الْإِخْوَةِ مِنْ الْجِهَاتِ كُلِّهَا. وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ جَابِرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْف الْمِيرَاثُ؟ إنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ. فَجَعَلَ الْوَارِثَ هُوَ الْكَلَالَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لَجَابِرٍ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْكَلَالَةِ عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ زَيْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ. وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ. وَالصَّحِيحُ عَنْهُمَا كَقَوْلِ الْجَمَاعَةَ.
[مَسْأَلَةٌ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ عُصْبَة]
(٤٨١٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ، لَهُنًّ مَا فَضَلَ، وَلَيْسَتْ لَهُنًّ مَعَهُنَّ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ) الْعَصَبَةَ هُوَ الْوَارِثُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ أَخَذَ مَا فَضَلَ عَنْهُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَإِنْ انْفَرَدَ أَخَذَ الْكُلَّ. وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ الْمَالَ، سَقَطَ. وَالْمُرَادُ بِالْأَخَوَاتِ هَاهُنَا الْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ مَعَ الْوَلَدِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذٍ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمَنْ تَابَعَهُ، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْعَلُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً، فَقَالَ فِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ. فَقِيلَ لَهُ: إنَّ عُمَرَ قَضَى بِخِلَافِ ذَلِكَ، جَعَلَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ؟ يُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute