مَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، فَأَمَّا مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ فَلَا. وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَمَنْ نَصَبَ شَبَكَةً فَسَقَطَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِحَيْثُ تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ، وَيُجَهَّزُ، فَكَذَلِكَ دِينُهُ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ وَصِيَّتِهِ مِنْ حَاجَتِهِ، فَأَشْبَهَتْ قَضَاءَ دِينِهِ. (٤٧٦٨) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمُعَيَّنٍ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَدِيَتِهِ، وَعَلَى الْأُخْرَى، يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ دُونَ دِيَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَالِهِ.
[فَصْلٌ أُوصَى ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا قَبْلَ الْمَوْتِ]
(٤٧٦٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَوْصَى، ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا قَبْلَ الْمَوْتِ، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إنَّ الْوَصِيَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا يُخْلِفُهُ مِنْ التِّلَادِ وَالْمُسْتَفَادِ وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْجَمِيعِ. هَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَحُكِيَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ لَا يَدْخُلُ فِي وَصِيَّتِهِ إلَّا مَا عَلِمَ، إلَّا الْمُدَبَّرَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ مِنْ مَالِهِ، فَدَخَلَ فِي وَصِيَّتِهِ كَالْمَعْلُومِ.
[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بَعْدَهُ إلَى آخِرَ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، ثُمَّ أَوْصَى بَعْدَهُ إلَى آخَرَ، فَهُمَا وَصِيَّانِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَخْرَجْت الْأَوَّلَ) مَعْنَى أَوْصَى إلَى رَجُلٍ. أَيْ جَعَلَ لَهُ التَّصَرُّفَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فِيمَا كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، مِنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ، وَاقْتِضَائِهَا، وَرَدِّ الْوَدَائِعِ، وَاسْتِرْدَادِهَا، وَتَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ، وَالْوِلَايَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ الَّذِينَ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِمْ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَمَنْ لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ، وَالنَّظَرُ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ بِحِفْظِهَا، وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَا لَهُمْ الْحَظُّ فِيهِ. فَأَمَّا مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ، كَالْعُقَلَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَغَيْرِ أَوْلَادِهِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَسَائِرِ مَنْ عَدَا الْأَوْلَادَ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْمُوصِي عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِنَائِبِهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا كُلِّهِ خِلَافًا. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ قَالَا: لِلْجَدِّ وِلَايَةٌ عَلَى ابْنِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَادَةً وَتَعْصِيبًا، فَأَشْبَهَ الْأَبَ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ لَهَا وِلَايَةً؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، فَأَشْبَهَتْ الْأَبَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute