ضَوْءُهَا. وَأَنْكَرَ الثَّانِي: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، فَإِنْ صَدَّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ، سَقَطَ حَقُّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الثَّانِي.
وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: يُرْجَى عَوْدُهُ، لَكِنْ لَا نَعْرِفُ لَهُ مُدَّةً. وَجَبَتْ الدِّيَةُ أَوْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ انْتِظَارَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ يُفْضِي إلَى إسْقَاطِ مُوجَبِ الْجِنَايَةِ، وَالظَّاهِرُ فِي الْبَصَرِ عَدَمُ الْعَوْدِ، وَالْأَصْلُ يُؤَيِّدُهُ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْوَاجِبِ سَقَطَ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَجَبَ رَدُّ مَا أَخَذَ مِنْهُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا.
[فَصْلٌ جَنَى عَلَيْهِ فَنَقَصَ ضَوْءُ عَيْنَيْهِ]
(٦٩٠٠) فَصْلٌ: وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فَنَقَصَ ضَوْءُ عَيْنَيْهِ، فَفِي ذَلِكَ حُكُومَةٌ. وَإِنَّ ادَّعَى نَقْصَ ضَوْئِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ إحْدَاهُمَا نَقَصَتْ، عُصِبَتْ الْمَرِيضَةُ، وَأُطْلِقَتْ الصَّحِيحَةُ، وَنُصِبَ لَهُ شَخْصٌ فَيُبَاعِدُ عَنْهُ، فَكُلَّمَا قَالَ: رَأَيْتُهُ. فَوَصَفَ لَوْنَهُ، عُلِمَ صِدْقُهُ، حَتَّى تَنْتَهِيَ، فَإِذَا انْتَهَتْ عُلِمَ مَوْضِعُهَا، ثُمَّ تُشَدُّ الصَّحِيحَةُ، وَتُطْلَقُ الْمَرِيضَةُ، وَيُنْصَبُ لَهُ شَخْصٌ، ثُمَّ يَذْهَبُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رُؤْيَتُهُ، ثُمَّ يُدَارُ الشَّخْصُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ، فَيُصْنَعُ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَعْلَمُهُ عِنْدَ الْمَسَافَتَيْنِ، وَيُذْرَعَانِ، وَيُقَابَلُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَتَا سَوَاءً، فَقَدْ صَدَقَ، وَيُنْظَرُ كَمْ بَيْنَ مَسَافَةِ رُؤْيَةِ الْعَلِيلَةِ وَالصَّحِيحَةِ، وَيُحْكَمُ لَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَسَافَتَانِ، فَقَدْ كَذَبَ، وَعُلِمَ أَنَّهُ قَصَّرَ مَسَافَةَ رُؤْيَةِ الْمَرِيضَةِ لِيَكْثُرَ الْوَاجِبُ لَهُ، فَيُرَدَّدُ حَتَّى تَسْتَوِيَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ.
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا، مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ، مَا قَالَهُ عَلِيٌّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ بِعَيْنِهِ فَعُصِبَتْ، وَأَعْطَى رَجُلًا بَيْضَةً، فَانْطَلَقَ بِهَا وَهُوَ يَنْظُرُ، حَتَّى انْتَهَى بَصَرُهُ، ثُمَّ أَمَرَ فَخُطَّ عِنْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَمَرَ بِعَيْنِهِ فَعُصِبَتْ الْأُخْرَى، وَفُتِحَتْ الصَّحِيحَةُ، وَأَعْطَى رَجُلًا بَيْضَةً، فَانْطَلَقَ بِهَا وَهُوَ يُبْصِرُ حَتَّى انْتَهَى بَصَرُهُ، ثُمَّ خُطَّ عِنْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ حُوِّلَ إلَى مَكَان آخَرَ، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَوَجَدُوهُ سَوَاءً، فَأَعْطَاهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِهِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِذَا زَعَمَ أَهْلُ الطِّبِّ أَنَّ بَصَرَهُ يَقِلُّ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ، وَيَكْثُرُ إذَا قَرُبَتْ، وَأَمْكَنَ هَذَا فِي الْمُذَارَعَةِ، عُمِلَ عَلَيْهِ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ يُبْصِرُ إلَى مِائَةِ ذِرَاعٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبْصِرَ إلَى مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، احْتَاجَ لِلْمِائَةِ الثَّانِيَةِ إلَى ضِعْفَيْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمِائَةِ الْأُولَى مِنْ الْبَصَرِ. فَعَلَى هَذَا، إذَا أَبْصَرَ بِالصَّحِيحَةِ إلَى مِائَتَيْنِ، وَأَبْصَرَ بِالْعَلِيلَةِ إلَى مِائَةٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ نَقَصَ ثُلُثَا بَصَرِ عَيْنِهِ؛ فَيَجِبُ لَهُ ثُلُثَا دِيَتِهَا. وَهَذَا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ فِي الْغَالِبِ، وَكُلُّ مَا لَا يَنْضَبِطُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ.
وَإِنْ جَنَى عَلَى عَيْنَيْهِ، فَنَدَرَتَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute