جُبَيْرٍ: إذَا خَرَجَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، فَلَا رُخْصَةَ لَهُ، فَإِنْ تَابَ وَأَقْلَعَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ.
(٧٨٠٨) فَصْلٌ: وَهَلْ لِلْمُضْطَرِّ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمَيْتَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ أَصَحُّهُمَا: لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي اسْتِصْحَابِهَا، وَلَا فِي إعْدَادِهَا لِدَفْعِ ضَرُورَتِهِ وَقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا إلَّا عِنْدَ ضَرُورَتِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَوَسُّعٌ فِيمَا لَمْ يُبَحْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، فَإِنْ اسْتَصْحَبَهَا، فَلَقِيَهُ مُضْطَرٌّ آخَرُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مِنْهَا مَا يَدْفَعُ بِهِ الضَّرُورَةَ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَيَلْزَمُهُ إعْطَاءُ الْآخَرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مُضْطَرًّا فِي الْحَالِ إلَى مَا مَعَهُ؛ لِأَنَّ ضَرُورَةَ الَّذِي لَقِيَهُ مَوْجُودَةٌ، وَحَامِلُهَا يَخَافُ الضَّرَرَ فِي ثَانِي الْحَالِ.
[مَسْأَلَةٌ مَرَّ بِثَمَرَةٍ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَلَا يَحْمِلَ]
(٧٨٠٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَلَا يَحْمِلَ) هَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي حَالِ الْجُوعِ وَالْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عَقِيبَ مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَائِطٌ، يَأْكُلُ إذَا كَانَ جَائِعًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ جَائِعًا، فَلَا يَأْكُلُ. وَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ، لَمْ يَأْكُلْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ شِبْهَ الْحَرِيمِ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: إنَّمَا الرُّخْصَةُ لِلْمُسَافِرِ. إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ هَاهُنَا حَقِيقَةَ الِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّ الِاضْطِرَارَ يُبِيحُ مَا وَرَاءَ الْحَائِطِ. وَرُوِيَتْ عَنْهُ الرُّخْصَةُ فِي الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ جُوعٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي زَيْنَبَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَافَرْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي بُرْدَةَ، فَكَانُوا يَمُرُّونَ بِالثِّمَارِ، فَيَأْكُلُونَ فِي أَفْوَاهِهِمْ.
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي بُرْدَةَ. قَالَ عُمَرُ: يَأْكُلُ، وَلَا يَتَّخِذُ خُبْنَةً. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: يَأْكُلُ مِمَّا تَحْتَ الشَّجَرِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الشَّجَرِ فَلَا يَأْكُلُ ثِمَارَ النَّاسِ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ. وَلَا يَضْرِبُ بِحَجَرٍ، وَلَا يَرْمِي؛ لِأَنَّ هَذَا يُفْسِدُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْت أَرْمِي نَخْلَ الْأَنْصَارِ، فَأَخَذُونِي، فَذَهَبُوا بِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «يَا رَافِعُ، لِمَ تَرْمِي نَخْلَهُمْ؟» . قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْجُوعُ. قَالَ: «لَا تَرْمِ، وَكُلْ مَا وَقَعَ، أَشْبَعَكَ اللَّهُ وَأَرْوَاكَ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: لَا يُبَاحُ الْأَكْلُ فِي الضَّرُورَةِ؛ لِمَا رَوَى الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا بِإِذْنٍ، وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ، وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ، إذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute