مِنْ قُطِعَ أَنْفُهُ؛ لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طُرْفَةَ، أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ. قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكِلَابِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: رَبْطُ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ إذَا خُشِيَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْقُطَ قَدْ فَعَلَهُ النَّاسُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
وَرَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَأَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ، وَأَبِي رَافِعٍ، وَثَابِتٍ اسْتَرْقُوا وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ شَدُّوا أَسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، أَنَّهُمْ رَخَّصُوا فِيهِ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، الرُّخْصَةُ فِيهِ فِي السَّيْفِ.
قَالَ الْأَثْرَمُ، قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي سَيْفِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ مِسْمَارٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَذَاكَ الْآنَ فِي السَّيْفِ. وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ لِعُمَرَ سَيْفٌ سَبَائِكُهُ مِنْ ذَهَبٍ. مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَزْيَدَةَ الْعَصَرِيِّ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْقُطَ يَجْعَلُ فِيهِ مِسْمَارًا مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: إنَّمَا رُخِّصَ فِي الْأَسْنَانِ، وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الضَّرُورَةِ، فَأَمَّا الْمِسْمَارُ، فَقَدْ رُوِيَ: «مَنْ تَحَلَّى بِخُرَيْصِيصَةٍ، كُوِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قُلْت: أَيُّ شَيْءٍ خُرَيْصِيصَةٌ؟ قَالَ: شَيْءٌ صَغِيرٌ مِثْلُ الشُّعَيْرَةِ.
وَرَوَى الْأَثْرَمُ أَيْضًا، بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ: «مَنْ حُلِّيَ، أَوْ تَحَلَّى بِخُرَيْصِيصَةٍ، كُوِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَغْفُورًا لَهُ أَوْ مُعَذَّبًا» . وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، أَنَّهُ أَبَاحَ يَسِيرَ الذَّهَبِ، وَلَعَلَّهُ يَحْتَجُّ بِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَبِقِيَاسِ الذَّهَبِ عَلَى الْفِضَّةِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، فَلَمْ يَحْرُمْ يَسِيرُهُ كَسَائِرِهَا، وَكُلُّ مَا أُبِيحَ مِنْ الْحُلِيِّ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، إذَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِعْمَالِ.
[مَسْأَلَةُ الْمُتَّخِذ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَاصٍ وَفِيهَا الزَّكَاةُ]
(١٨٩٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمُتَّخِذُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَاصٍ، وَفِيهَا الزَّكَاةُ) وَجُمْلَتُهُ، أَنَّ اتِّخَاذَ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ، فَيَبْقَى إبَاحَةُ الِاتِّخَاذِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فِي الْإِبَاحَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute