مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ. وَلَمْ تَكُنْ حَامِلًا. قَالَ: لَا تَعْتِقُ. فَأَعَدْت عَلَيْهِ الْقَوْلَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: لَا يَكُونُ شَيْءٌ، إنَّمَا أَرَادَ مَا فِي بَطْنِهَا، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: وَسُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ خِدْمَتُهُ شَهْرًا، فَقَالَ: جَائِزٌ.
[مَسْأَلَةٌ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ بَعْضَ كِتَابَتِهِ وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ]
(٨٨٢٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ بَعْضَ كِتَابَتِهِ، وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ إلَى سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: عَجِّلْ لِي خَمْسَمِائَةٍ مِنْهُ، حَتَّى أَضَعَ عَنْك الْبَاقِيَ، أَوْ حَتَّى أُبْرِئَك مِنْ الْبَاقِي. أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ. جَازَ ذَلِكَ. وَبِهِ يَقُولُ طَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَهُوَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الدَّيْنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، وَهَذَا أَيْضًا هِبَةٌ، وَلِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ، وَالرِّبَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ، فَلَمْ يَجُزْ هَذَا بَيْنَهُمَا، كَالْأَجَانِبِ.
وَلَنَا، أَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَلَا هُوَ دَيْنٌ صَحِيحٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَمَا يُؤَدِّيهِ إلَى سَيِّدِهِ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَأَوْجَبَ فِيهِ التَّأْجِيلَ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ، وَتَخْفِيفًا عَنْ الْمُكَاتَبِ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ التَّعْجِيلُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ عَنْهُ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ، كَانَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ، وَأَخَفَّ عَلَى الْعَبْدِ، وَيَحْصُلُ مِنْ السَّيِّدِ إسْقَاطُ بَعْضِ مَالِهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى إسْقَاطُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجَلِ لِمَصْلَحَتِهِ، وَيُفَارِقُ سَائِرَ الدُّيُونِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَيُفَارِقُ الْأَجَانِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا عَبْدُهُ، فَهُوَ أَشْبَهُ بِعَبْدِهِ الْقِنِّ. قَوْلُهُمْ: إنَّ الرِّبَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا. فَنَمْنَعُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، فَإِنَّ هَذَا مُفَارِقٌ لِسَائِرِ الرِّبَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا يُخَالِفُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِبَعْضِ الدَّيْنِ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّة زِيَادَةٌ فِي الدَّيْنِ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةُ يُفْضِي إلَى نَفَادِ مَالِ الْمَدِينِ، وَتَحَمُّلِهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ، فَيُحْبَسُ مِنْ أَجْلِهِ، وَيُؤْسَرُ بِهِ، وَهَذَا يُفْضِي إلَى تَعْجِيلِ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ، وَخَلَاصِهِ مِنْ الرِّقِّ، وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ، فَافْتَرَقَا.
[فَصْلٌ اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ وَالدَّيْنِ فِي الْمُكَاتَبَة]
(٨٨٢٣) فَصْلٌ: فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ وَالدَّيْنِ، مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفٍ، فِي نَجْمَيْنِ، إلَى سَنَةٍ، يُؤَدِّي فِي نِصْفِهَا خَمْسَمِائَةٍ، وَفِي آخِرِهَا الْبَاقِيَ، فَيَجْعَلَانِهَا إلَى سَنَتَيْنِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ سِتُّمِائَةٍ، أَوْ مِثْلُ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute