أَمَّا اللَّهْوُ الْخَفِيفُ، كَالدُّفِّ وَالْكِيرِ فَلَا يَرْجِعُ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أُصْبَغُ: أَرَى أَنْ يَرْجِعَ؛ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا وَجَدَ اللَّعِبَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ فَيَأْكُلَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَخْرُجَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: إذَا كَانَ فِيهَا الضَّرْبُ بِالْعُودِ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا.
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رَوَى سَفِينَةُ «أَنَّ رَجُلًا أَضَافَهُ عَلِيٌّ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: لَوْ دَعَوْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَكَلَ مَعَنَا؟ فَدَعَوْهُ، فَجَاءَ. فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عِضَادَتَيْ الْبَابِ، فَرَأَى قِرَامًا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَرَجَعَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ لِعَلِيٍّ: الْحَقْهُ، فَقُلْ لَهُ: مَا رَجَعَك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ لِي أَنْ أَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا» . حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ، بِإِسْنَادِهِ. أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» .
«وَعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كُنْت أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَسَمِعَ زَمَّارَةَ رَاعٍ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذْنَيْهِ، ثُمَّ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ؟ حَتَّى قُلْت: لَا. فَأَخْرَجَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْخِلَالُ. وَلِأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْمُنْكَرَ وَيَسْمَعُهُ، مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ، فَمُنِعَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهِ. وَيُفَارِقُ مَنْ لَهُ جَارٌ مُقِيمٌ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزَّمْرِ، حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ الْمُقَامُ، فَإِنَّ تِلْكَ حَالُ حَاجَةٍ؛ لِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ مِنْ الضَّرَرِ.
[فَصْل رَأَى نُقُوشًا وَصُوَرَ شَجَرٍ بَعْدَمَا لَبَّى دُعَاء الْوَلِيمَة]
(٥٦٧٢) فَصْلٌ: فَإِنْ رَأَى نُقُوشًا، وَصُوَرَ شَجَرٍ، وَنَحْوَهَا، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ نُقُوشٌ، فَهِيَ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ. وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ صُوَرُ حَيَوَانٍ، فِي مَوْضِعٍ يُوطَأُ أَوْ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا، كَاَلَّتِي فِي الْبُسُطِ، وَالْوَسَائِد، جَازَ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى السُّتُورِ وَالْحِيطَانِ، وَمَا لَا يُوطَأُ، وَأَمْكَنَهُ حَطُّهَا، أَوْ قَطْعُ رُءُوسِهَا، فَعَلَ وَجَلَسَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ، انْصَرَفَ وَلَمْ يَجْلِسْ؛ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ. وَحَكَاهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَالِمٍ، وَعُرْوَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute