[كِتَاب الْوَدِيعَة]
ِ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] . وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣] . وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «، أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدَائِعُ فَلَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى أَهْلِهَا»
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى جَوَازِ الْإِيدَاعِ وَالِاسْتِيدَاعِ، وَالْعِبْرَةُ تَقْتَضِيهَا، فَإِنَّ بِالنَّاسِ إلَيْهَا حَاجَةً، فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى جَمِيعِهِمْ حِفْظُ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيَحْتَاجُونَ إلَى مَنْ يَحْفَظُ لَهُمْ. الْوَدِيعَةُ فَعِيلَةٌ، مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ: إذَا تَرَكَهُ، أَيْ هِيَ مَتْرُوكَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ. وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ السُّكُونِ. يُقَالُ: وَدَعَ، يَدَعُ. فَكَأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ. مُسْتَقِرَّةٌ. وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْخَفْضِ وَالدَّعَةِ، فَكَأَنَّهَا فِي دَعَةٍ عِنْدَ الْمُودَعِ. وَقَبُولُهَا مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَضَاءَ حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ وَمُعَاوَنَتَهُ
وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، مَتَى أَرَادَ الْمُودِعُ أَخْذَ وَدِيعَتِهِ لَزِمَ الْمُسْتَوْدَعَ رَدُّهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَوْدَعُ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا، لَزِمَهُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مُتَبَرِّعٌ بِإِمْسَاكِهَا؛ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّبَرُّعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَى مُودَعٍ ضَمَانٌ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ]
(٥٠٤٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَيْسَ عَلَى مُودَعٍ ضَمَانٌ، إذَا لَمْ يَتَعَدَّ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ، فَإِذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُودَعِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، سَوَاءٌ ذَهَبَ مَعَهَا شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمُودِعِ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو الزِّنَادِ وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، إنْ ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ غَرِمَهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ضَمَّنَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَدِيعَةً ذَهَبَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَالْأُولَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً
وَالضَّمَانُ يُنَافِي الْأَمَانَةَ. وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ ضَمَانٌ» . وَيُرْوَى عَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ. وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مُؤْتَمَنٌ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ وَتَفْرِيطِهِ، كَاَلَّذِي ذَهَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute