لِذَلِكَ زِرًّا وَعُرْوَةً، وَلَا يُخْلِلْهُ بِشَوْكَةٍ وَلَا إبْرَةٍ وَلَا خَيْطٍ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَخِيطِ. رَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ وَأَنَا مَعَهُ، أُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْ ثَوْبِي مِنْ وَرَائِي، ثُمَّ أَعْقِدُهُ؟ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا تَعْقِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَعَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ، زِرَّ عَلَيَّ طَيْلَسَانِي. وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ لَهُ: كُنْت تَكْرَهُ هَذَا. قَالَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَدِيَ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَّشِحَ بِالْقَمِيصِ، وَيَرْتَدِيَ بِهِ، وَيَرْتَدِيَ بِرِدَاءِ مُوَصَّلٍ، وَلَا يَعْقِدُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْمَخِيطُ عَلَى قَدْرِ الْعُضْوِ.
[فَصْلٌ يَجُوز لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَعْقِد إزَاره عَلَيْهِ]
(٢٣٣٢) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ إزَارَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَيُبَاحُ، كَاللِّبَاسِ لِلْمَرْأَةِ. وَإِنْ شَدَّ وَسَطَهُ بِالْمِنْدِيلِ، أَوْ بِحَبْلٍ، أَوْ سَرَاوِيلَ، جَازَ إذَا لَمْ يَعْقِدْهُ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي مُحْرِمٍ حَزَمَ عِمَامَةً عَلَى وَسَطِهِ: لَا تَعْقِدْهَا. وَيُدْخِلُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ. قَالَ طَاوُسٌ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَدْ شَدَّهَا عَلَى وَسَطِهِ، فَأَدْخَلَهَا هَكَذَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشُقَّ أَسْفَلَ إزَارِهِ نِصْفَيْنِ، وَيَعْقِدَ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّرَاوِيلَ. وَلَا يَلْبَسُ الرَّانَّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ مَعْمُولٌ عَلَى قَدْرِ الْعُضْوِ الْمَلْبُوسِ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْخُفَّ.
[مَسْأَلَة لِبْسُ الْهِمْيَانِ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ]
(٢٣٣٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ، وَيُدْخِلُ السُّيُورَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، وَلَا يَعْقِدُهَا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ لُبْسَ الْهِمْيَانِ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْقَاسِمِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجَازَ ذَلِكَ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَدِّمُوهُمْ وَمُتَأَخِّرُوهُمْ. وَمَتَى أَمْكَنَهُ أَنْ يُدْخِلَ السُّيُورَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، وَيَثْبُتَ بِذَلِكَ، لَمْ يَعْقِدْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَقْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِعَقْدِهِ عَقَدَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي عَقْدِ الْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ، وَلَا يُرَخِّصُونَ فِي عَقْدِ غَيْرِهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوْثِقْ عَلَيْك نَفَقَتَك.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي (الشَّرْحِ) ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُحْرِمِ فِي الْهِمْيَانِ أَنْ يَرْبِطَهُ، إذَا كَانَتْ فِيهِ نَفَقَتُهُ.» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْثِقُوا عَلَيْكُمْ نَفَقَاتِكُمْ. وَرَخَّصَ فِي الْخَاتَمِ وَالْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُحْرِمِ يَشُدُّ الْهِمْيَانَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إذَا كَانَتْ فِيهِ نَفَقَتُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute