[فَصْل إجَارَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ لِخِدْمَتِهِ]
(٤٣٢١) فَصْلٌ: وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ لِخِدْمَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فَقَالَ: إنْ آجَرَ نَفْسَهُ مِنْ الذِّمِّيِّ فِي خِدْمَتِهِ، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي عَمَلِ شَيْءٍ، جَازَ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ فِي غَيْرِ الْخِدْمَةِ، فَجَازَ فِيهَا، كَإِجَارَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكَافِرِ، وَإِذْلَالَهُ لَهُ، وَاسْتِخْدَامَهُ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لِلْخِدْمَةِ يَتَعَيَّنُ فِيهِ حَبْسُهُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَاسْتِخْدَامُهُ، وَالْبَيْعُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ ذَلِكَ، فَإِذَا مُنِعَ مِنْهُ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْإِجَارَةِ أَوْلَى
فَأَمَّا إنْ آجَرَ نَفْسَهُ مِنْهُ فِي عَمَلٍ مُعَيَّنٍ فِي الذِّمَّةِ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَقِصَارَتِهِ، جَازَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - آجَرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ، يَسْتَقِي لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَكَذَلِكَ الْأَنْصَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا يَتَضَمَّنُ إذْلَالَ الْمُسْلِمِ، وَلَا اسْتِخْدَامَهُ، أَشْبَهَ مُبَايَعَتَهُ. وَإِنْ آجَرَ نَفْسَهُ مِنْهُ لِعَمَلِ غَيْرِ الْخِدْمَةِ، مُدَّةً مَعْلُومَةً، جَازَ أَيْضًا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِقَوْلِهِ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: وَإِنْ كَانَ فِي عَمَلِ شَيْءٍ، جَازَ
وَنَقَلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤْجِرَ نَفْسَهُ مِنْ الذِّمِّيِّ. وَهَذَا مُطْلَقٌ فِي نَوْعَيْ الْإِجَارَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ مَنْعُ ذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى مَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ الْمُسْلِمِ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا، وَكَلَامُ أَحْمَدَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ، فَإِنَّهُ خَصَّ الْمَنْعَ بِالْإِجَارَةِ لِلْخِدْمَةِ، وَأَجَازَ إجَارَتَهُ لِلْعَمَلِ. وَهَذَا إجَارَةٌ لِلْعَمَلِ. وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ، فَإِنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْمِلْكِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَيُفَارِقُ إجَارَتَهُ لِلْخِدْمَةِ، لِتَضَمُّنِهَا الْإِذْلَالَ.
[فَصْلٌ الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدِّيكَ يُوقِظُهُ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ]
فَصْلٌ (٤٣٢٢) : نَقَلَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدِّيكَ يُوقِظُهُ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ: لَا يَجُوزُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى فِعْلِ الدِّيكِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ مِنْهُ بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَقَدْ يَصِيحُ، وَقَدْ لَا يَصِيحُ، وَرُبَّمَا صَاحَ بَعْد الْوَقْتِ.
[فَصْل حُكْم الْإِجَارَة فِي الْقُرْب الَّتِي يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ]
(٤٣٢٣) فَصْلٌ: الْقِسْمُ الرَّابِعُ، الْقُرَبُ الَّتِي يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا، كَالْإِمَامَةِ، وَالْأَذَانِ، وَالْحَجِّ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالزُّهْرِيُّ. وَكَرِهَ الزُّهْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ بِأَجْرٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: هَذِهِ الرُّغُفُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمُعَلِّمُونَ مِنْ السُّحْتِ. وَمِمَّنْ كَرِهَ أُجْرَةَ التَّعْلِيمِ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute