وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَاسَاةً لِفُقَرَائِهِمْ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِفُقَرَائِهِمْ، فَتَبْقَى فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ عَلَى الْأَصْلِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّهُمْ عَصَبَةٌ يَرِثُونَهُ، فَيَعْقِلُونَ عَنْهُ، كَعَصَبَةِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ عَصَبَتُهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ، وَلَا الْحَرْبِيُّونَ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ وَالنُّصْرَةَ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهُمْ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ؛ إذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ يَرِثُونَهُ. لِأَنَّهُمْ أَهْلُ دِينٍ وَاحِدٍ، يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَلَا يَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، عَنْ يَهُودِيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا مُوَالَاةَ بَيْنهمْ، وَهُمْ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَاقَلَا، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَوَارُثِهِمَا.
[فَصْلٌ تَنْصُر يَهُودِيٌّ أَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ عَقَلَتْهُ عَلَى مِنْ]
(٦٨٠٤) فَصْلٌ: وَإِنْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ، أَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ، وَقُلْنَا: إنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ. عَقَلَ عَنْهُ عَصَبَتُهُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ. وَهَلْ يَعْقِلُ عَنْهُ الَّذِينَ انْتَقَلَ عَنْ دِينِهِمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقَرُّ. لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ فَيَعْقِلَ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ، وَلَا ذِمِّيٍّ فَيَعْقِلَ عَنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَتَكُونُ جِنَايَتُهُ فِي مَالِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا تَحْمِلُ عَاقِلَتُهُ جِنَايَتَهُ، يَكُونُ مُوجَبُهَا فِي مَالِهِ، كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ.
[فَصْلٌ رَمَى ذِمِّيٌّ صَيْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَصَابَ السَّهْم آدَمِيًّا فَقَتَلَهُ]
(٦٨٠٥) فَصْلٌ: وَلَوْ رَمَى ذِمِّيٌّ صَيْدًا، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ آدَمِيًّا فَقَتَلَهُ، لَمْ يَعْقِلْهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حَالَ رَمْيِهِ، وَلَا الْمُعَاهَدُونَ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَيَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي. وَهَكَذَا لَوْ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ قَتَلَ السَّهْمُ إنْسَانًا، لَمْ يَعْقِلْهُ أَحَدٌ. وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ، وَكَانَ أَرْشُ جِرَاحِهِ يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ، فَعَقْلُهُ عَلَى عَصَبَتِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمَا زَادَ عَلَى أَرْشِ الْجُرْحِ لَا يَحْمِلُهُ أَحَدٌ، وَيَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرْشُ الْجُرْحِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، فَجَمِيعُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا جُرِحَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَحْمِلَ الدِّيَةَ كُلَّهَا الْعَاقِلَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وُجِدَتْ وَهُوَ مِمَّنْ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَتَهُ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ عَمْدًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَحْمِلَ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ بِانْدِمَالِ الْجُرْحِ أَوْ سِرَايَتِهِ.
[فَصْلٌ تَزَوَّجَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَوْلَدَهَا أَوْلَادًا]
(٦٨٠٦) فَصْلٌ: إذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً، فَأَوْلَدَهَا أَوْلَادًا، فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوْلَى أُمِّهِمْ، فَإِنْ جَنَى أَحَدُهُمْ، فَالْعَقْلُ عَلَى مَوْلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهُ وَوَارِثُهُ، فَإِنْ أُعْتِقْ أَبُوهُ ثُمَّ سَرَتْ الْجِنَايَةُ، أَوْ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَلَمْ يَقَعْ السَّهْمُ حَتَّى أُعْتِقَ أَبُوهُ، لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute