فِي الِاسْتِيفَاءِ زِيَادَةً عَلَى مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ، وَيُخِلُّ بِالتَّمَاثُلِ الْمَنْصُوصِ عَلَى النَّهْيِ عَمَّا عَدَاهُ، وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا الْأَصْلُ فِي الْأَنْفُسِ، زَجْرًا عَنْ الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَقَعُ الْقَتْلُ بِهِ غَالِبًا، فَفِيمَا عَدَاهُ يَجِبُ الْبَقَاءُ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ، وَلِأَنَّ النَّفْسَ أَشْرَفُ مِنْ الطَّرَفِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا بِأَخْذِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَا دُونَهَا بِذَلِكَ.
وَلَنَا، مَا رُوِيَ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ جَاءَا بِآخَرَ، فَقَالَا: هَذَا هُوَ السَّارِقُ وَأَخْطَأْنَا فِي الْأَوَّلِ. فَرَدَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الثَّانِي، وَغَرَّمَهُمَا دِيَةَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا، لَقَطَعْتُكُمَا. فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ تَعَمَّدَا قَطْعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ. وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ، فَتُؤْخَذُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ كَالْأَنْفُسِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ التَّسَاوِي، فَمِثْلُهُ فِي الْأَنْفُسِ، فَإِنَّنَا نَعْتَبِرُ التَّسَاوِي فِيهَا، فَلَا نَأْخُذُ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ، وَلَا حُرًّا بِعَبْدٍ، وَأَمَّا أَخْذُ صَحِيحِ الْأَطْرَافِ بِمَقْطُوعِهَا، فَلِأَنَّ الطَّرَفَ لَيْسَ هُوَ مِنْ النَّفْسِ الْمُقْتَصِّ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَفُوتُ تَبَعًا؛ وَلِذَلِكَ كَانَتْ دِيَتُهُمَا وَاحِدَةً، بِخِلَافِ الْيَدِ النَّاقِصَةِ وَالشَّلَّاءِ مَعَ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّ دِيَتَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ.
وَأَمَّا اعْتِبَارُ التَّسَاوِي فِي الْفِعْلِ، فَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مُبَاشَرَتُهَا بِالْقَطْعِ، فَإِذَا قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جَانِبٍ، كَانَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزًا عَنْ فِعْلِ صَاحِبِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى إنْسَانٍ قَطْعُ مَحَلٍّ لَمْ يَقْطَعْ مِثْلَهُ، وَأَمَّا النَّفْسُ، فَلَا يُمْكِنُ مُبَاشَرَتُهَا بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا أَفْعَالُهُمْ فِي الْبَدَنِ، فَيُفْضِي أَلَمُهُ إلَيْهَا فَتَزْهَقُ، وَلَا يَتَمَيَّزُ أَلَمُ فِعْلِ أَحَدِهِمَا مِنْ أَلَمِ فِعْلِ الْآخَرِ، فَكَانَا كَالْقَاطِعَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَوْفِي مِنْ الطَّرَفِ إلَّا فِي الْمَفْصِلِ الَّذِي قَطَعَ الْجَانِي مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ، وَفِي النَّفْسِ لَوْ قَتَلَهُ بِجُرْحٍ فِي بَطْنِهِ أَوْ جَنْبِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَانَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ الْعُنُقِ دُونَ الْمَحَلِّ الَّذِي وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ فِيهِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ فِي الطَّرَفِ، إذَا اشْتَرَكُوا فِيهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ فِعْلُ أَحَدِهِمْ عَنْ فِعْلِ الْآخَرِ؛ إمَّا بِأَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ قَطْعَهُ، فَيُقْطَعُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ عَنْ الشَّهَادَةِ، أَوْ يُكْرِهُوا إنْسَانًا عَلَى قَطْعِ طَرَفٍ، فَيَجِبُ قَطْعُ الْمُكْرِهِينَ كُلِّهِمْ وَالْمُكْرَهُ، أَوْ يُلْقُوا صَخْرَةً عَلَى طَرَفِ إنْسَانٍ، فَيَقْطَعُهُ، أَوْ يَقْطَعُوا يَدًا يَقْلَعُوا عَيْنًا، بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ يَضَعُوا حَدِيدَةً عَلَى مَفْصِلٍ، وَيَتَحَامَلُوا عَلَيْهَا جَمِيعًا، أَوْ يَمُدُّوهَا، فَتَبِينُ، فَإِنْ قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ جَانِبٍ، أَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمْ بَعْضَ الْمَفْصِلِ، وَأَتَمَّهُ غَيْرُهُ أَوْ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ ضَرْبَةً، أَوْ وَضَعُوا مِنْشَارًا عَلَى مَفْصِلِهِ، ثُمَّ مَدَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَيْهِ مَرَّةً حَتَّى بَانَتْ الْيَدُ، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَقْطَعْ الْيَدَ، وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَطْعِ جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ فِعْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ بِمُفْرَدِهِ، اُقْتُصَّ مِنْهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ الْأَبُ وَغَيْرُهُ عَمْدًا]
(٦٦٣٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ الْأَبُ وَغَيْرُهُ عَمْدًا. قُتِلَ مَنْ سِوَى الْأَبِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute