(١٤٠) فَصْلٌ: ` وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْرُكَ رِجْلَهُ بِيَدِهِ، وَيَتَعَهَّدَ عَقِبَيْهِ، وَالْمَوَاضِعَ الَّتِي يَزْلَقُ عَنْهَا الْمَاءُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: قُلْت لِأَحْمَدَ: إذَا تَوَضَّأَ فَأَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْمَاءِ، فَأَخْرَجَهَا؟ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُمِرَّ يَدَهُ عَلَى رِجْلِهِ، وَيُخَلِّلَ أَصَابِعَهُ. قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، يُجْزِئُهُ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يُجْزِئُهُ مِنْ التَّخْلِيلِ أَنْ يُحَرِّكَ رِجْلَهُ فِي الْمَاءِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا زَلَقَ الْمَاءُ عَنْ الْجَسَدِ فِي الشِّتَاءِ. قِيلَ لَهُ: مَنْ تَوَضَّأَ يُحَرِّكُ خَاتَمَهُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ ضَيِّقًا لَا بُدَّ أَنْ يُحَرِّكَهُ، وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو رَافِعٍ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا تَوَضَّأَ حَرَّكَ خَاتَمَهُ.» وَإِذَا شَكَّ فِي وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ وَجَبَ تَحْرِيكُهُ؛ لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُصُولِهِ. وَإِنْ الْتَفَّ بَعْضُ أَصَابِعِهِ عَلَى بَعْضٍ وَكَانَ مُتَّصِلًا، لَمْ يَجِبْ فَصْلُ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا كَأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلْتَصِقًا وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَهُمَا.
(١٤١) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَغَسْلُ الْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ - فِيمَا عَلِمْنَا - فِي اسْتِحْبَابِ الْبُدَاءَةِ بِالْيُمْنَى، وَمِمَّنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ بَدَأَ بِيَسَارِهِ قَبْلَ يَمِينِهِ. وَأَصْلُ الِاسْتِحْبَابِ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، وَيَفْعَلُهُ، فَرَوَتْ عَائِشَةُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» . رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ. وَحَكَى عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، «وُضُوءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَبَدَأَ بِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى.» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ، وَكَذَا الرِّجْلَانِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ. وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَالْفُقَهَاءُ يُسَمُّونَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَرْبَعَةً، يَجْعَلُونَ الْيَدَيْنِ عُضْوًا، وَالرَّجُلَيْنِ عُضْوًا، وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute